من قال إن الجبناء لا يصنعون التاريخ؟! زودوني بعنوان القائل كي أخبره أن مسلمة بن حبيب الحنفي أو "مسيلمة الكذاب" لم يبلغ خفي نعليه. ففي وطني لا شيء نصنعه ونعبده إلا تاريخ النسخ، فتجربة الحكم العسكري الحالية، واحدة من أكثر التجارب العسكرية الإستنساخية غرابة، فتجربتنا الراهنة مع حكم محمد ولد عبد العزيز، رغم الكاريزما التي ظهر بها الرجل والتي أربكت الكثير من أباطرة الفساد–والحق يقال- ، إلا أنها تلاشت وظهر الوجه الحقيقي لحكمه "التعزيري" كما يقول المدافعون عنه، لكن ما كنت أعلمه -من معلومات متواضعة- يشير إلى أنه لا يجوز التعزير بالمال على الأرجح، حفاظًا على أموال الناس، حتى لا تكون عرضة كل حاكم يريد أن يأخذ أموال الناس بالباطل.
ظهر الرئيس وانطلقت الورشات وزغاريد الترحيل وذهل الجميع: كيف استطاع الرجل القيام بكل ذلك؟!... بعد عامين انقشع الغبار وظهر أن المجموعة الحضرية بانواكشوط تمكنت من تشييد خمسة وعشرون كيلومتر من طرقات العاصمة نواكشوط، ولم يذكر إعلامنا المضلل ذلك، بل نسبه إلى الرئيس... سقط قناع انجاز الطرقات وتأهيل أحياء الترحيل، وتبين أن خلفها سواعد "المقاولين ملاك الآليات والشاحنات"، والذين يقفون الآن أمام أبواب الثكنات العسكرية (الهندسة العسكرية) يطالبونها بتسديد ديونهم المستحقة عليها، وهو نسخ من السياسة التدميرية لهيبة المؤسسة العسكرية، على غرار باقي المؤسسات التعليمية والصحية والدينية والسياسية... والبقاء لله وللرئيس، هكذا يفكر النسخ الوطني.
المدهش في حكم الرئيس ولد عبد العزيز أنه بادر إلى الهدم قبل البناء، أصبح تصنيف الفقيه ما بين "لحلاح، وفقيه النخاسة، ومجنون"، كما تحولت الصحافة إلى بشمركة، والأطباء أيضا نالوا نصيبهم، من الإستهزاء حيث تم جلب بدائل عنهم من تونس ومصر والسودان... إنها الهرطقة أيها السادة الكرام، والسبب أن الدولة تنفق الميارات على قطاع لا يستطيع أن يفر العلاج لشعب يجاهر رئيسه وفقراءه إلى السنغال وتونس والمغرب وفرنسا للحصول على العلاج. تحول تجارنا في عهده إلى مخربون مكانهم السجن. أما التعليم نعرف جميعا ما ناله الأساتذة من حيف وسجون، بفضل الرعاية السامية.
في عهد النسخ والزمن الرديء هذا، تنفق الدولة المليارات على تعليم لا يوجد أي شخص في موريتانيا (لا في الموالاة ولا في المعارضة) يشكك في سوئه وفشله، "فالمناهج تُدرس تخصصات لا تخدم سوق العمل" –الكلام للرئيس- ومع ذلك تستمر الدولة في تخريج آلاف الشباب إلى قارعة البطالة والتجهيل محملين بشهادات لا يحتاجها سوق العمل.
فلماذا تستمر الدولة في تدريس تلك التخصصات ما دام أصحابها سيعطلون عن العمل؟!
في وطني لم يعد لأي شيء قداسة، فالسياسيون حكم عليهم جميعا –بدون استثناء- بأنهم مفسدون مخربون متآمرون، والحصول على الترخيص لحزب سياسي أصبح أسهل من الحصول على بطاقة التعريف الوطنية ومن الحصول على رفع لتلقي العلاج في الخارج، وذلك بغية إفراغ الحزب من محتواه وتحويله إلى مجرد ورقة في يد كل مجموعة تريدها، كي تنشغل بها أولا ولكي تصبح كل الأحزاب جوفاء مدمرة، وهي سياسة إلهاء قام بها الرئيس السابق معاوية لكنها كانت لصالح التعاونيات وفصول محو الأمية.
إن من أغرب الغرائب السياسية في موريتانيا هي تشكلة لجنتنا "الوطنية" المستقلة للانتخابات، والتي تحوي من بين أعضائها أحد الأساتذة الجامعيين الذي يؤجر شقة ضيقة في الطابق الثالث قبر سوق المغرب في نواكشوط، ويراسل إحدى أكبر الجامعات في السنغال على أنه رئيس "معهد كبير" للتعليم في موريتانيا وعلى ذلك الأساس تم منحه بطاقة تمثيل تلك الجامعة كي يشرف على تدريس الماستر والدكتوراه في تلك الشقة المتهالكة. ومن بين أعضائها أيضا شاب قرأت له مقالين يمدح فيهما الرئيس محمد ولد عبد العزيز ويهاجم من يعارضه، -والحق يقال- أعجبتني مفرداته وبعض طرحه، لأكتشف لاحقا أنه يقوم بعملية القص واللصق من كتابات النائب البرلماني والمحامي سيدي محمد ولد محم. وينسخ منه. "فكاتبنا الشاب" لا يملك من الشهادات إلا وساطة من زوجته (إحدى أقرباء الرئيس) وهو الآن عضو في اللجنة المستغلة للانتخابات... عن أي استقلالية تتحدثون؟!!!
لك الله يا شعب موريتانيا الطيب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire