mercredi 30 janvier 2013

فرنسا تخسر الحرب في مالي









  
 زجت فرنسا بكل آلياتها من جنود أفارقة ومن مخبرين، كما أقحمت محطاتها الإعلامية وهيبتها التي من المؤكد أنها ستتحطم أمام أنظار الأفارقة المعجبين بها حد العبادة. فرنسا التي وجدت نفسها - كما تقول- مرغمة على الدخول في حرب مالي والتي لم تتذكر أن عليها التدخل فيها إلا عندما اقتربت قوات حركة أنصار الدين من قرية بورغابوكو (Bourgabougou) النفطية. فرنسا تقود حربا ليست ضد الإرهاب بل لحماية بامكو من السقوط... فرنسا تقود حربا بعيدة عن ذكر اليورانيوم المالي.
لكن السؤال المهم والذي يجب طرحه بقوة هو: أين كانت فرنسا عندما خرج ثلة من الرجال يتبجحون ببنادق الصيد ويتحدون بها العالم معلنين انتمائهم ومبايعتهم لتنظيم القاعدة، بل أطلقوا على أنفسهم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ؟!
الجواب بكل بساطة أن وجود تلك الجماعة كان يصب في مصلحة فرنسا، فالمتتبع للساحة الجيوسياسية يدرك أن فرنسا أبقت على وجود تلك الجماعة، لأنها الخزاعة التي بها تضمن الإبقاء على وجود قواتها (50 قاعدة عسكرية) في المنطقة بعد أن بدأ الأفارق يضيقون ذرعا بكثرة قواعدها العسكرية، وتدخلها في شؤونهم. إلا أن الثورة الليبية ومخازن أسلحة القذافي، إضافة إلى الموارد المالية التي حصلت عليها تلك الجماعات من فديات الرهائن الغربيين، والتهريب، كلها أخرجت اللعبة من اليد الفرنسية.
إن تصريحات وزير خارجية فرنسا لورانس فابيوس التي قال فيها "فرنسا تنتصر في مالي"، وما صرح به رئيس الوزراء الفرنسي جون مارك أيرولت، عندما قال إنه يشيد "بالتقدم الكبير" الذى حققته العملية العسكرية الجارية فى مالي... لا يتجاوز إطار الحرب الإعلامية للرفع من معنويات القوات الإفريقية المنهارة من جهة، ومن جهة أخرى لتجنب تدني شعبية الرئيس هولاند ممثل الجناح اليساري. لكن الوقائع على الأرض تكذب ذلك. فالجيش الفرنسي والمالي سيطر على مدن مفتوحة أخلاها المقاتلون الإسلاميون تكتيكيا، فمالي التي تزيد مساحتها عن 1,240,000 كم²، هي دولة شبه مفتوحة وفرنسا فشلت في كسب حلفاء غربيين مستعدين للدخول معها في الوحل المالي سواء تحت غطاء حلف الناتو أو غطاء الاتحاد الأوروبي، أو غطاء الأمم المتحدة.

ساحة الحرب
نعم نجحت فرنسا في جلب 4600 عنصرا من أفراد جيشها، منهم 3500 على الأرض في مالي. كما استطاعت أن تجلب حتى الآن 3000 آلاف جندي إفريقي، لكن الجنود الأفارقة سيشكلون عبأ إضافيا على فرنسا التي تتعافى الآن من أزمة اقتصادية خانقة، كادت أن تعصف بالتماسك الأوروبي، فالجنود الأفارقة من المؤكد أن النصيب الأوفر من الجثث التي ستعود من ساحة القتال ستكون من بينهم، فهم يدخلون حربا على أرض يجهلون أدق تفاصيلها، ولا يوجد رابط عرقي بينهم وبين سكان مدن شمال مالي، إضافة إلى جهلهم باللهجات المحلية، والتي كانت ستوفر لهم حاضنة شعبية لو أنهم من أصول تلك الأرض... كل هذه المعطيات تجعلنا نجزم أن مهم هؤلاء الجنود وقادتهم الفرنسيين محكوم عليها بالفشل.
إن الاستقدام الفرنسي للجنود الأفارقة له تكلفته أيضا، فالجنود الأفارقة قدموا صفر اليدي، وعلى فرنسا أن تتولى نقلهم و توفير السلاح، والأكل والشرب والصحة والرواتب المرتفعة... كل ذلك سيجعل فرنسا -التي لم تجد حتى الآن من يدفع عنها كل تلك الفاتورة- تُعجل بالانتهاء من تلك الحرب. وهو ما يعمل المقاتلون على عكسه (إطالة الحرب الاستنزافية) متبعين نفس التكتيكات التي شاهدناها في أفغانستان: حيث قاموا بطمر سياراتهم بالطين كوسيلة لتجنب رصدها من قبل الطيران الفرنسي، إضافة إلى بعض التكتيكات مثل حلق اللحى واستخدام وسائل نقل بدائية كالجمل والحمار والدراجات النارية، هذا بالإضافة إلى نقلهم على شكل فرادى وفي جماعات محدودة خشية لفت الانتباه، كما قاموا بالتخلص من بعض الآبار التي قد تستخدمها القوات الفرنسية والإفريقية، كما استخدموا سياسة سد النوافذ، حيث دمروا جسر تاسيغا الاستراتيجي قرب حدود مع النيجر، على الطريق المؤدي إلى غاوو، إحدى المدن الرئيسية شمالي مالي..
جماعات أنصار الدين تمكنت من رصد مكالمة هاتفية بين ما قالت إنها شبكة للتجسس تزود الجيش المالي والفرنسي بالمعلومات، حيث تمكنت من القاء القبض على شخصين من تلك الشبكة وفر ثالث، قبل مقدم القوات الفرنسية وحلفائها نحو تلك المنطقة.
فرنسا استطاعت بالتعاون مع المملكة المغربية أن تبرم تحالف مع الجناح المسلح لحركة تحرير آزواد (MNLA) والذي اعتبرته الممثل الوحيد للشعب الآزوادي، بعد أن وعدته بحكم فدرالي بعد انتهاء الحرب، مقابل التخلى عن حلم الانفصال، وبناء على ذلك قامت تلك القوات بالهجوم على المناطق التي كانت تسيطر عليها قبل أن يتم طردها من قبل مقاتلين أنصار الدين.
المغرب أيضا كان من أشد الدول العربية معارضة لحصول الشعب الآزوادي على دولة مستقلة خشية أن يثير ذلك التمرد إغراء مناطق صحراوية أخرى يسعى المغرب إلى الابقاء عليها ضمن مملكته. ويرى بعض المراقبون أن اعتراف موريتانيا بحق الشعب الآزوادي في دولته، قد أثر على العلاقات الموريتانية المغربية.
 تكتيكات الحرب
إن الجماعات الاسلامية المتشددة في الشمال المالي، ورغم الحصار المفروض عليها إعلاميا، إلا أنها نجحت إلى حد الساعة في استيعاب الضربة الأولى، وكلما طال أمد الحرب كلما ازداد المقاتلون ثقة في أنفسهم، وقد شاهد العالم استبسالهم في مواجهات مدينة كيدال التي لم تنجح القوات الفرنسية في اقتحامها حتى وقت كتابة هذه الحروف، فالقوات الفرنسية نجحت في السيطرة على المطار الواقع جنوب كيدال وتمكنت من انزال بعض قواتها على مدرجه، كما سيطرت على الجسر الواصل بين المطار ومدينة كيدال، والذي لم يقم المقاتلون بتفجيره... إلا أن سكان كيدال أكدوا أن أصوات الانفجارات وتبادل لإطلاق النار لا زالت متواصلة ولم تتوقف منذ أكثر من خمسة أيام.
الجماعات المقاتلة في مالي دخلت في تحالف واسع، حيث اختفت الأعلام ورفع شعار الجهاد، وهو شعار سيغري الكثير من الشباب للالتحاق بهم، خصوصا من دول الجوار. فلمالي حدود شاسعة مشتركة مع سبع دول هي: الجزائر شمالا والنيجر شرقا، وبوركينا فاسو وساحل العاج في الجنوب، وغينيا من الغرب والجنوب، والسنغال وموريتانيا في الغرب، ومن الصعب بل من المستحيل منع المتطوعين من الوصول إلى الجماعات المسلحة.
   لا أحد يخفى عليه الدور الذي تلعبه فرنسا في المنطقة، فالسياسة الفرنسية اليوم - بشقيها السياسي والاقتصادي - تنبع من مشروع أعدّته وزارة الخارجية الفرنسية عام 1997م، وعُرِف باسم «مشروع إفريقيا»، لتحسين من صورتها، من خلالها حرصها الرسمي على محاولة الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد جاءت بعد الانتقادات الدولية الحادة التي تم توجيهها لحكومة باريس، بسبب إصرارها على دعم الأنظمة الفاسدة، فعمدت فرنسا إلى صياغة هذه السياسة لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي. إلا أنها فشلت في تلميع صورتها - الديمقراطية المحايدة- فيما يخص الشأن السياسي في بعض الدول الإفريقية حيث دعمت فيها الانقلابات (موريتانيا نموذجا).
 فرنسا أقدمت على مغامرة بدخولها في حرب مالي، وتجلى فشلها عندما لم تحصل من الولايات المتحدة الأمريكية إلا على الدعم الاستخباراتي والتزويد بالوقود في الجو، وعندما لم تحصل من إسبانيا إلا على السماح لها باستخدام أجوائها ومياهها الإقليمية للمرور إلى مالي...
الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تدرك حجم الوحل الذي تغوص فيه فرنسا وحيدة، لذلك بدأت وزيرة خارجيتها بقر بأن الحل العسكري غير مجدي في القضية المالية. أما فرنسا فهي بين احتمالين أحلاهما مر: البقاء في هذه الحرب وبالتالي تحمل الهجمات المباغتة والتي قد ستسقط بعض الجنود الفرنسيين، أو الانسحاب وهو ما يعرض مصالحها وهيبتها الإقليمية للخطر.    
الجميع كان يراهن على الجيش المالي كجيش وطني يحمي الجميع، لكن الجيش مع الأسف نزل إلى أتون التصفيات العرقية وإهانة الشيوخ، لا لشيء إلا لأنهم يرتادون المساجد ولهم لحى.

الدد ولد الشيخ إبراهيم
إعلامي متابع للشأن المالي
dedda@


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire