تم اعتبار مدينة نواذيب منطقة تجارية حرة بقرار رئاسي، حيث تم إرسال بعثة وزارية مؤلفة من كل من: وزير الداخلية واللامركزية محمد ولد أبليل ووزير الإسكان والاستصلاح الترابي، إسماعيل ولد بد ولد الشيخ سيديا والمدير العام لصندوق الإيداع والتنمية وبعضا من المستشارين يوم الأربعاء 17 أكتوبر 2012، إلى العاصمة الاقتصادية نواذيب، في مهمة مدتها يومين، يهدفون من خلال تلك الزيارة إلى دراسة حدود المنطقة الحرة، وقد قامت البعثة بزيارة مناطق متعددة وبعض المنتجعات السياحية (كبانوهات) والموانئ الموجودة على مستوى المدينة للاطلاع على حجم وإمكانات المدينة وإعداد تصور نهائي، قدم بعد ذلك إلى الحكومة... كل ذلك تم في يومين، ليعرض المشروع في عجالة على البرلمان.
وقد أحدث الشروع جدلا كبيرا بين النواب البرلمانيين، حيث اعتبره الخليل ولد الطيب (نائب في فريق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم) انجازا تاريخيا للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والذي برأيه قهر العائق الأمني وتحدى العقبات الخارجية التي ظلت تقف دون انشاء منطقة حرة في عاصمة موريتانيا الاقتصادية منذ عقود طويلة... بينما تأخذ أطرافا أخرى من المعارضة الراديكالية في البرلمان على القانون أنه لم يحدد طبيعة هذه المنطقة الحرة، كما لم يصنفها على غرار مثيلاتها في العالم، ولم يحدد معايير للاكتتاب والتوظيف ولا شروط الاستثمار في هذه المنطقة الحرة، ولم يحدد حجم العمالة أيضا... ويخشى بعض المراقبون من أن يؤدي ضعف البنى التحتية للمدينة والوضع المتدهور للمؤسسة القضائية في المدينة إلى عوائق قد تحد من مردودية تلك المنطقة الاقتصادية المهمة.
الأهمية التاريخية لولاية نواذيب:
شكلت ولاية نواذيب مهدا لولادة المرابطون الذين انطلقوا من جزيرة التيدرة في حوض اركين قرب قرية إويك التابعة لبلدية انوامغار، حيث أسس العلامة عبد الله ابن ياسين و رفاقه رباطـَهم الفكري و الديني و السياسي، الذي تطور و انطلق من هناك يحمل مشعل نشر المعرفة و الدين الحنيف في ربوع إفريقيا و استمر حتى حكم شبه جزيرة ابيريا وبلاد المغرب و أجزاء من شمال إفريقيا لمدة ناهزت مئة وأربعين عاما تحت راية دولة المرابطين. وقد صنفت دولة المرابطين كدولة إسلامية، حكمت شمال غرب أفريقيا والأندلس ما بين 1056- حتى 1147 ميلادي، وامتد حكمها ليشمل جنوب الصحراء، واتخذت من مدينة فاس عاصمة لها بين 1056-1086م ثم أنشأت مدينة مراكش و انتقلت العاصمة إليها عام 1086م.
وقد تم اكتشاف مدينة نواذيب على يد بعض المكتشفين الأوروبيين الأوائل (البرتغاليين)، سنة 1441م وأطلقوا عليها اسم كاب بلاه (CaboBlanco)، حيث استوطنوها وانشؤوا فيها ميناءا يصدرون من خلاله الصمغ العربي الذي كان حينها متوفرا بكثرة في تلك المنطقة إلى أوروبا. وقد ظلت هذه المنطقة محط اهتمام مختلف الغزاة و المستكشفين فقد غزاها الهولنديون، والانجليز والاسبان والفرنسيين.
هذه الأهمية وهذا البعد الثقافي والدينة، إضافة إلى الأهمية الجغرافية جعلا البعض ينظر إلى قضية جعل مدينة نواذيب منطقة تجارية حرة "المفتوحة"، بشيء من ضرورة التريث وضرورة دراسة البعد الأمني والأخلاقي أولا وعدم تغليب البعد البراغماتي الضيق في القرار الحكومي. فللمنطقة التجارية الحرة تحدياتها حيث ستصبح مدينة نواذيب منطقة مفتوحة لا تحتاج إلى تأشرة (الفيزا) لدخولها، وهو ما يعني استقطاب المستثمرين والآلاف من الأجانب (الأفارقة والآسيويين والعرب)، الراغبين في البحث عن فرص عمل أو فرص للهجرة إلى أوربا. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انتشار بعض الظواهر الجديدة على البلد، كالجريمة والمخدرات، وازدهار تجارة الجنس وغيرها...
انتقادات المنطقة التجارية الحرة:
عندما تم وضع النظام التجاري الحر في الأرجنتين وأوروغواي سنة 1920، وحتى اليوم جوبه هذا النظام بانتقادات كثيرة منها: أنه كثيرًا ما تدفع الحكومات جزءًا من التكلفة الأولية لإنشاء المصانع، وتقلل الحماية البيئية، وتتساهل في القواعد المتعلقة بالإهمال ومعاملة العمال، والالتزام بوعود، وبعدم دفع الضرائب لبضع سنوات مقبلة، وعندما تنتهي السنوات غير المدفوعة الضرائب، فإن الشركات التي أنشأت المصانع بدون تحمل تكاليفها الكاملة تكون قادرة في كثير من الأحيان على إنشاء عمليات في أماكن أخرى (دول أخرى) بسبب الضرائب الأقل التي يجب دفعها، وبذلك تضغط على الحكومات عن طريق المفاوضات للحصول على المزيد من الامتيازات لتمكينها من الاستمرار في العمليات في البلد. هذا بالإضافة إلى الكوارث البيئية التي غالبا ما تخلفها تلك الشركات بعد مغادرتها للسوق الحر في الدول النامية...
واليوم يترقب الجميع (الموالون للرئيس والمعارضون له) انطلاق قرار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بجعل مدينة نواذيب منطقة حرة، وكل أملهم أن يكلل ذلك القرار بالنجاح وأن تعم فائدته جميع الموريتانيين. وأن يكون فاتحة خير لآلاف الشباب الموريتانيين الذين أرغمتهم البطالة على هجر مدينتهم الجميلة ودولتهم المعطاءة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire