mercredi 7 septembre 2011

الإعلام الموريتاني الرسمي و سياسة تدجين المواطنين








إن ظاهرة ربيع الثورات العربية قد فرضت على الإعلام العربي تغيير سياسته و نظرته للإنسان العربي الساعي إلى الخروج من عباءة الدكتاتورية المطلقة نحو حكم مدني يسود فيه العدل و الديمقراطية و تصان فيه كرامة الإنسان العربي، بعد أن كسر حاجز الخوف و طالب بدولة مدنية تنهي عقودا من التعذيب و الترهيب و النهب لثرواته و تهجير أبناءه... 

فهل الإعلام الرسمي الموريتاني الهامد سينتظر دوره في الثورات العربية كي يتخلى عن احتقاره و تدجينه لعقل المواطن الموريتاني الذي يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى إعلام يخفف عنه جحيم التفكير في مصير أبنائه المعطلين عن العمل و في أمواله المهربة إلى الخارج؟ 

ثم لماذا لا يتحدث الإعلام الموريتاني عن المظاهرات اليومية للموريتانيين، و يشجب سياسة فرق تسد التي يتبعها هذا النظام العسكري؟!! 
ألف مبروك أيها المشاهدون أيتها المشاهدات و كل عيد و أنتم تدجنون على شاشة تلفزة الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي قاطعها المشاهدون منذ فترة طويلة، و التي لازالت كما تركتموها منذ فترة: تحطم في كل يوم رقما قياسيا جديدا في التملق و النفاق و خداع المواطنين، لأنها المحطة الوحيدة في عالم اليوم التي تبث إذاعات و برامج سخيفة –باستثناء برنامج معدودة - عن قضاء بعض الوزراء لعطلهم في داخل البلاد بشكل علني و هي في الحقيقة مجرد حملة سياسية لانتخابات قادمة قبل إعلانها بصورة دستورية و مهمتهم هي الاتصال بالوجهاء و رؤساء القبائل الذين لم يتجاوبوا مع تلك الزيارات فحولوها إلى زيارات لمدارس مهجورة تحمل أشباح أعلام وطنية رثة ترفرف فوق مباني خربة متهالكة خالية من أبسط مقومات المدارس من أقسام و مناهج و أدوات لوجستية. إن تلفزتنا الوطنية ̋ الحرة ̏ لازالت تتابع بنهم كل الجولات المكوكية لرئيس البلاد الذي يمعن في سعيه لحل مشاكل السفاح القذافي و تتجاهل حقيقة هذا النظام العسكري الدكتاتوري الذي زج بالوزير السابق (إسملو ولد عبد القادر) في السجن عندما تحدث عن فساد العسكر الذي يحكمنا و كذلك الإعلامي البارز و المهندس حنفي ولد دهاه مدير موقع تقدمي الإلكتروني المناهض للانقلاب العسكري على تجربة الحكم الديمقراطي المدني... في الحقيقة ما زال إعلامنا يتجاهل أن النظام العسكري تجاوز كل الخطوط الحمراء حيث قام بالضرب و التنكيل بكل من خرج ضده من نساء برلمانيات محصنات دستوريا و سياسيين معارضين و طلبة و حمالون و عمال في العاصمة نواكشوط و في مدينة أزويرات و عظماء شباب 25 فبراير...إلخ ، ثم لماذا لا يتحدث إعلامنا الوطني عن ملفات فساد بالجملة أعلن عنها موقع ويكيلكس و تمس رموزا موغلة في الفساد؟ 

إن من أكثر ما يثير اللإشمئزاز هو التضخيم المتكلف من قبل إعلامنا الرسمي لبعض المشاريع الهزيلة التي لا أتجرأ على ذكرها شفقة بأصحابها – و حرصا على سمعة موريتانيا- و بمن دشنوها و طبلوا لها تطبيلا ثقيلا، من إعلاميينا الذين يدعون أنهم وطنيون. لقد جعلتنا وزارة الإعلام التي دأبت على محاباة سياسة الحاكم - المعصوم برأيها من الخطأ- نصل لمرحلة نفقد فيها الثقة بمؤسساتنا الوطنية التي لا تتوقف عن حقننا ليل نهار بأفيون السجود و الركوع لأصنام بشرية لم تسلم من اقتراف أية رذيلة عرفتها البشرية. 
  إن من أكبر أخطاء تلك المؤسسات الغير وطنية هو اعتمادها - في عمليات تدجينها للمواطنين- على وجوه محنطة تُبقيٍ على أماكنها ليس بفضل كفآتها و إنما بعلاقاتها الفنية و الصوفية المشبوهة و بفضل تملق بعضها من مدمني التحرش بالعاملات في المؤسسات الإعلامية ̋ المحترمة ̏ بدون عقاب أو بفضل الولائم التي يعدها بعضهم و يدعوا لها قادة الصفقات من العسكريين المهيمنين على الحكم، في حين يتجاهلون - بفضل السياسة الحكيمة- معاناة المواطنين و مظاهرات المظلومين من سجن للحقوقيين و مصادرة لأراضي البسطاء و غير ذلك. 
إن على النظام الذي يدعي نزاهة و انفتاح الإعلام الرسمي أن يعلم أن من شروط الإعلام الصالح: الصدق، و الموضوعية و الثقة بمصدر المعلومات و سرية المصادر و حماية المبلغين و تقديم مختلف وجهات النظر و احترام خصوصية الأفراد...إلخ، ثم إن الرسالة الإعلامية الناجحة ينبغي أن تكون مبنية على أربع ركائز: كثرت المعلومات و فائدتها و سهولتها وقوتها من حيث الإقناع... إلا أننا في موريتانيا لم نشاهد أبدا أو نسمع بقناة عربية بلغت من الانحطاط ما بلغ هذا الإعلام الذي تحول من منبر تحرري انطلق عام1957 بمشروع متواضع ضمن ما كان يعرف حينها باتحاد إذاعات إفريقيا الغربية المدمج في اتحادات إذاعات مستعمرات إفريقيا الغربية، إلى محطات لتدجين مواطن يعاني من الجهل و الغبن و التخلف، و إذا ما قمنا بمقارنة بسيطة سنجد أن الحصة المخصصة "لصوت المواطن الموريتاني" في تلك الفترة كانت لا تتجاوز خمس دقائق من البث إلا أنها أفضل مليون مرة من ما يقدمه الإعلام الرسمي الموريتاني اليوم على مدار الأربع و عشرون ساعة، رغم أن تلك الخمس دقائق كانت تعتمد على بعض الشباب (الطلبة موريتانيين المقيمين في السنغال) الذين لا يمتلكون أي تكوين لا في مجال الإنتاج و لا في إعداد البرامج و لا في مجال التقديم و مع هذا فإن عطاء جيل الرعيل الأول من أبناء موريتانيا المخلصين للوطن المكون من طاقم من عشرة أشخاص و جهاز إرسال لا تتعدى قوته 4 كيلو وات على الموجة القصيرة لا تمكن مقارنته بما يقدمه لنا هذا الإعلام الرسمي المتخلف رغم موارده و وسائله الحديثة. 
 إن العلاقات المشبوهة لبعض الوجوه الإدارية الموريتانية من إعلاميي التلفزة و الإذاعة و الوكالة المورتانية للأنباء - المعروفين بعبادتهم الحاكم - من أباطرة الفساد تبقي كل منهم مومياء محنطة تحصن نفسها من الطرد عن طريق تأدية مناسك التطبيل و التملق و التمجيد و التغاضي عن ذكر معاناة الفقراء الذين يقفون في طوابير طويلة في مستشفيات السنغال و تونس و المغرب...إن ما نمتلكه اليوم ليس إعلاما وطنيا بمعنى الكلمة بل مسرحا سيئ الإخراج لم يغتنم فرصا و طاقات قدمها جيل شبابي موهوب مر على تلك المؤسسات المهجورة لكنه أصيب بخيبة أمل بسبب سياسات الإدارة الإعلامية التي تبقي على أفاعي إعلامية تخرج من جحورها عند الطلب لتنفث سمومها في لقاء هزلي مع الشعب، أو عند عرض النتائج الانتخابية المزورة لتختبئ من جديد، لأنها وجوه موسمية مستهلكة. 
  و في الختام يمكننا القول إن محاولة النظام الالتفاف على حرية التعبير بخلق قوانين لاحتكار البث مرفوضة مقدما من قبل الجميع و لا ينبغي للاتحاديات الإعلامية الموريتانية و لا المعارضة القبول بها لأن الحرية الإعلامية المجتزأة تتنافى مع الديمقراطية و لأنه من حق المواطن البسيط أن يفهم أن بداية الألم هي الاستسلام و بداية الفرج هي ثورة على الانهزام. 
 فمتى سيفهم الإعلامي الموريتاني المقيد بأنه صاحب قضية عادلة و حامل لرسالة نبيلة توجب عليه الاعتراض على عمليات تدجين المواطنين و الحرص على حضور الرأي الآخر بدل الإمعان في مجاراة سياسة الصوت الواحد؟!!! 

1 commentaire: