vendredi 16 septembre 2011

مدينة وادن الموريتانية أثر بعد عين


التقرير: الدد ولد الشيخ إبراهيم


مدينة وادن الموريتانية (أثر بعد عين)

كانت الزيارة مجرد فكرة أو خاطرة لإقامة هذا التقرير، وقد تحققت عندما وافق صديقي الاسباني مارك على اصطحابي لزيارة المدينة الموريتانية الأثرية وادان و التي تبعد حوالي ست مائة و خمسون كيلومتر عن العاصمة الموريتانية نواكشوط، و قد سبقني هو لزيارتها مرات عديدة حتى صار يحفظ عن ظهر قلب جل الحكايات التي تنسج حول وادي العلم و النخيل و اللذين اشتق منهما اسم المدينة (وادان) و التي صارت اليوم قسمان: المدينة القديمة (المهجورة تماما) و المدينة الحديثة، لكن ماهي هذه المدينة و ما     أهميتها؟
 على بعد (170) كم شرق مدينة "أطار" عاصمة ولاية آدرار "الشمال الموريتاني" تقع مدينة "وادان" الأثرية، التي يعود تأسيسها إلى القرن السادس الهجري، وبالتحديد في عام 536هـ، وتقول الروايات التاريخية الشعبية: إن نشأة المدينة تعود إلى ثلاثة رجال صالحين وجدوا – قدرًا – بسفح الجبل المطل على المدينة حاليًا  – وأنهم اتفقوا على الحج، وعند عودتهم يقومون بالاستقرار هناك، نظرًا لموقعه – أي الجبل – المميز، الذي يصلح لبناء رباط كانوا قد اتفقوا على تأسيسه بعد عودتهم من مكة، وإذا كانت تلك هي الرواية الشعبية التاريخية لتأسيس المدينة، فإن الروايات التاريخية الموثوق بها علميًّا تقول: إن مؤسس المدينة هو الحاج عبد الله الحاج شيخ قبيلة "أد و الحاج" التي ما زالت تقطن المدينة.. وقد بدأ في تشييد سور حول المدينة في عام 540هـ واستمر العمل فيه إلى عام 547هـ.تلك إذن هي المدينة أما نحن فعند و صولنا و تحديدا لسفح المدينة كان الوقت وقت قيلولة، حيث اشرأبت الأعناق و صار الجميع يمعن النظر فينا وهو ما أثار فضولي و قد وجدت له تفسيرا فيما بعد حيث علمت أن السياحة تراجعت بعد الأحداث السياسية الراهنة في موريتانيا(الانقلاب أو الحركة التصحيحية) وهو ما جعل الجميع يحن لعودة الانتعاش السياحي للمدينة الجميلة، في الساعة الرابعة و النصف مساءا ذهبنا إلى المدينة القديمة حيث كانت لصديقي بعض الأفكار الرائعة حول المدينة و الطرق الأمثل للاستثمار في القطاع السياحي الواعد لهذه المدينة الرائعة، فمثلا :هناك فساحة جميلة محاطة ببعض الدور العتيقة و التي يرى هو أنها أفضل مكان في موريتانيا يصلح لإقامة المهرجانات و العروض التقليدية و بيع الوجبات و التحف الموريتانية و إقامة الإشهارات و الأفلام التاريخية...،أما سؤاله الذي لم نجد له جوابا هو لماذا لا يسمح سكان وادان بترميم المدينة المنهارة(وادان)؟! أو على الأقل يحافظون على نظافتها؟ لأن جل المباني قد انهارت نتيجة لعوامل التعرية الطبيعية، و البيئة الصحراوية القاسية وتحولت إلى كومة حجارة، وهي بحاجة ماسة إلى الترميم قبل الترميم قبل حلول موسم الأمطار؛                                                                                                                                                                               



             
                                                                                                                                                                                              

واصلنا استكشاف الممرات حتى وصلنا إلى جناح العروض وهي زاوية معزولة باهتة و قد جلست بها خمس نسوة يبعن بعض الصناعات التقليدية، كان الحزن يكسوا وجوههن الشاحبة الشائخة.و عند وصولنا إلى مسجد المدينة كاد الفضول يقتل صديقي الاسباني و الذي لا يمكنه أن يلج المسجد القديم و الذي هو حكرا على المسلمين رغم مرور الكثير من الزمن على هجره من قبل الجميع كبقية القرية. أما سور المدينة فله قصته فلقد أوضحت الخرائط الأثرية للسور أنه كان على شكل دائرة تمتد من أعلى الجبل غربًا لتنتهي عند سفحه شرقًا.. وبُنِيَ دائريًّا ليضم عيون المياه التي تقع على بعد مسافة نصف كيلو متر شمال المدينة.. ويبلغ سمك حائط السور مترًا ونصف المتر، ويبلغ ارتفاعه أربعة أمتار في الأماكن البعيدة عن البوابات، بينما يبلغ ارتفاع السور وسمكه عند البوابات الضعف، ومواد البناء التي استخدمت في بناء السور هي الحجارة والطين ومواد أخرى استقدمت من فاس والقيروان، وللسور أربع بوابات، كل واحدة منها في جهة من الجهات الأربع.. و أضخمها تلك البوابة الشرقية التي تسمى "فم المبروك". وكان لتلك البوابات حرس خاص يعمل طوال اليوم وله زي يميزه.. ويتم تدريب  عناصره وانتقاؤهم من بين الأقوياء من الأرقاء، بينما يوجد على رأس كل فرقة عريف من أبناء أعيان المدينة، وكان لكل باب طبل خاص، يقرع عددًا معينًا من المرات، إيذانًا بفتحه أو إغلاقه. و كانت هذه البوابات موزعة من حيث أهميتها، حيث لكل واحدة منها قيمة خاصة وهدف تقوم به. ففي الوقت الذي تمثل فيه بوابة "فم المبروك" مدخلاً رئيسيًّا للقوافل القادمة من المشرق من مصر والحجاز وتونس والسودان والشام وكذلك من الجنوب الشرقي من مالي.
تقابل هذه البوابة بوابة أخرى من جهة الغرب، وهي أصغر حجمًا، وتدعى "فم القصبة"، وخصصت هذه البوابة للقوافل القادمة من النهر السنغالي، وتُدْعى تلك القوافل "القارب".
هذا في الوقت الذي تمثل البوابتان الجنوبية والشمالية مصدري دخول وخروج الحيوانات وأصحاب المشاغل من سكان المدينة. 












واصلنا التقدم داخل الأزقة حيث قابلنا الإنسان الوحيد الذي لا يزال يعيش في المدينة القديمة و يرفض هجرها؛ إنه ربما الرجل الموريتاني الأكثر نصيبا من ناحية الشائعات، حيث ينسج حوله سكان مدينة وادان العديد من الخرافات و علاقته بالجن ...، لقد كان رجلا فقيرا أ يحمل في يديه إناءا قديما، رث الثياب و قد تجاذبنا معه أطراف الحديث حيث سألناه عن أسباب سكنه و حيدا في مدينة الأشباح هذه؟ وقد أدهشتنا إجابته حيث قال: في هذه المدينة دفنت والداي و فيها أيضا دفن أربعون عالما في الفقه و النحو و مختلف العلوم الشرعية فلما يهجرها أهلها؟!! كانت أفكاره واضحة و قد تخللت حديثه الكثير من عبارات الترحيب بنا، الأمر الذي زرع فينا حقيقة طيبة منشئه، و على العكس كان حديثه شيقا و جذابا.




































 و قد أرشدنا إلى الطريق المؤدية إلى البئر المحصن، كانت الأزقة تروي بصدق تلك الجهود الجبارة لمن كانوا يوما يسكنون المدينة القديمة، كنا نتقدم مع الطرق الضيقة المتعرجة و كلما تقدمنا كنا ننزل حتى وصلنا أخيرا إلى البئر و قبل أن أدخل إلى الحصن الذي يحيط بالبئر استوقفتني لبرهة تلك اللوحة المعلقة عليه حديثا  و التي تحمل خطأ نحويا لا يغتفر (لأن الخطأ النحوي في مدينة وادان في نظري بألف خارجها) حيث كتب عليها عبارة "البئر المحصنة" فقبل أن أتحدث مكثت لبرهة علي أجد قاعدة نحوية تجيز تعارض النعت مع المنعوت فلم أجدها؛ و بعد ذلك واصلنا الطريق إلى خارج المدينة الأثرية الجميلة. و لقد لفت انتباهي ما تحمله كتب التاريخ – الموريتاني والمغربي - ومخطوطاته من حكايات عن كرم وأصالة أهل وادان ونبلهم.. فهم أهل الخير والعلم، فكلمة وادان تحريف لتثنية كلمة واد والواديان المعنيَّان هما "واد من علم، وواد من تمر".  




وكان أهل وادان يتبعون نظامًا خاصًّا في كل شيء، من ذلك أنهم يفتحون في كل حي دارًا للضيافة يتم الإشراف عليها بالتناوب.. وقد بلغ أهل المدينة حدًّا لا يوصف من التكافل الاجتماعي، إذ يكفي أحدهم لبناء دار أن يفكر فيها؛ فيقوم الكل بالمساهمة فيها حتى تقام.
وفي هذا الصدد يُحْكى أن سيدة غنية من أهل المدينة أرادت أن تحفر بئرًا من مالها الخاص، وتجعلها وَقْفًا.. فكانت تقوم بالحفر ليلاً.. فلما أنجزت العمل علم به حكماء المدينة فهدموا البئر عقابًا لها؛ لأن مثل هذه الأعمال في عُرْف أهل المدينة لا تتم إلا باشتراكهم جميعًا.
بعد سنوات من الجفاف و الصبر عليه صارت مدينة وادان أثر بعد عين حيث تغيرت معايير الحياة وضروبها، فجأة حُوِّلَت وسائل المواصلات الحديثة سفن الصحراء إلى مجرد سلاحف تسير ببطء لا يمكن للحياة أن تستوفي شروطها الطبيعية الجديدة معه.. فلم يَعُد الجمل كما كان.. وانقطعت  تجارة الصحراء.. فبدت المدينة الزاهية بالأمس، تهرول اليوم نحو الشيخوخة والهرم.. وسرعان ما تحولت وادان إلى أطلال بالية، وأخذ سكانها ينظرون إليها كسجن رهيب.. كان ذلك منذ الأيام الأولى في هذا القرن، حيث جاءت عوامل جديدة أكثر عمقًا في تجذير أزمة هذه المدينة.. كالتصحُّر، الذي التهم كل المناطق الرعوية المحيطة.. وهجرة الأدمغة، التي بدأت في النزوح إلى المناطق الجديدة كسينلوى في السنغال ثم نواكشوط بعد ذلك.. و ذلك بحثًا عن فرص أفضل كما هاجر بعضها إلى الحجاز. ومنذ عقد تقريبًا بدأت السلطات الموريتانية من خلال هيئة المحافظة على المدن القديمة في ترميم آثار المدينة وإجراء حفائر أثرية بها في محاولة للحفاظ على طابعها المعماري المتميز لكن بعد الأحداث السياسية الأخيرة (محاربة القاعدة) القادمة مع الانقلاب العسكري عادت مدينة وادان إلى عادتها القديمة لتعود إلى صمتها المطبق.
   فإلى متى سيبقى هذا الأثر الإسلامي و الإنساني ضمن سلة الآثار المهملة وطنيا و عالميا؟!!!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire