dimanche 3 juillet 2011

هكذا دفنوك أيتها العسكري الطيب


صباح يوم السبت و الساعة تشير إلى تمام التاسعة إلا الربع رن هاتفي و إذا به اتصال افقدني فرصة شرب كأس الشاي الأخير: لقد توقف قلب المريض عن العمل فالرجاء الإسراع بالحضور للمشاركة في مراسيم الدفن... لم يكن هناك بد من الذهاب إلى المسجد على جناح السرعة... - لكن يبدوا أن حضوري كحضور المبادرات العربية- يأتي دوما متأخرا، فقد انهوا الصلاة على الجثمان و الآن هاهم يركبون سياراتهم و الوجهة مقبرة التيسير خارج العاصمة الموريتانية انواكشوط... ركبت في إحدى السيارات و لكني - لحسن الاختيار أو لسوئه ربما- ركبت بين شابين عرفت لاحقا أنهما من سجناء السلفية أو القاعدة القدامى... كان حديثهم منصبا حول قضية يبدوا أنها محل إجماع لديهم إنها ضرورة إخماد تمرد المرأة و الرفض المطلق لمساواتها مع الرجل: ̋  النساء ناكرات عشرة̏  ، المرأة ناقصة عقل و دين... قالها أحدهم، المرأة من بيتها إلى قبرها قال آخر... مرت المسافة طويلة و أنا أفكر في مصيري المحتوم حينا و في بعض الأحيان أستمع  لبعض أحاديثهم و أفكارهم الموغلة في التعصب، لكن المقام بالنسبة لي لم يكن مواتيا كي أفتح معهم باب للنقاش، فالحرارة مرتفعة  و الموكب الجنائزي يسبقنا بكثير لأن الشاب الذي كان يقود السيارة يتحدث كثيرا على عكس قيادته البطيئة، كما أن للفقيد مكانة كبيرة في قلبي...، سأل أحدهم الآخر لماذا لم تشارك؟ فرد عليه لأن من شروط المشاركة الحصول على شهادة الباكلوريا و أنا لم أحصل عليها، لكنني سأقوم بالمشاركة لجميع أخواتي و من منهن حصلت عليها طبعا سأكون معها لأنهم بطبيعة الحال لا يسمحون للمرأة بالحج بدون محرم... فأدركت في نفسي أنها منحة للحج، لكنني استغربت في نفسي، كيف يمنعون  المرأة من الخروج و هاهم يتوسلون بشهادتها للحصول على تذكرة حج؟ تناقض غريب!!!
هل هذا هو منعطف المقبرة سأل أحدهم؟
فرد عليه الآخر لا بل هذا منعطف المعاصي... ساعتها كدت أسأله من قال لك إنه منعطف المعاصي! لكني تمالكت نفسي و بقيت في صمتي، فالمقام لا يسمح بالجدال...
هل هو عسكريا تسأل أحدهم؟
قال له الآخر نعم، فالتزم الصمت.
هاهم أخيرا... الحمد لله وصلنا أخيرا إلى المقبرة لكن من هؤلاء الشيوخ الذين سبقونا؟!!! قالها أحدهم...
لقد كان يقف إلى جانب الشيوخ شابا حسن الوجه ناصع الأسنان كثير التبسم... وجهه مألوفا بالنسبة إلي، لكن الأولوية كانت للجنازة، فهناك من قام بحفر القبر انتظار مقدمنا...
لا لا لا يجوز!!! تهلل صارخا أحد الشباب، فلن نواريه في حفرة بل يجب أن نقيم له لحدا.
قال أحد الشيوخ بل يجوز و نحن نعلم كيف تكون القبور، أنزلوه... أنزلوه قلت لكم...
 لكن أصدقاء الشاب رفضوا الأمر...
قال الشباب لابد للقبر من لحد، فقال شيخ آخر بل هذا الشق يكفي لأن طبيعة هذه الأرض الصحراوية هنا لا تسمح بإقامة لحد... - في الحقيقة كان رده مقنعا فعلا-...
قال أحد الشباب: انزعوا عمائمكم و أعطونا ثلاث منها، فقال شيخ ثالث أنزلوه فلا حاجة للعمائم في هكذا مقام...
قلت في نفسي: يا إلهي ما هذا! إنه تجسيدا حقيقيا لأبشع أنواع الخلاف الفكري الإسلامي... هل صراع الأجيال أصبح في الدين أيضا؟
 كنت سارحا الذهن بينما أساعدهم في إنزل الجانب العلوي من الجنازة إلى القبر... لكن و فجأة انهار جانب القبر تحت ضغط أرجل شاب ضخم يقف على جانبه، فغاص أكثر من نصف الجنازة في الرمل بينما لا تزال أرجله خارج القبر، مما اضطرنا لإخراج الجنازة بصعوبة و وضعناها جانبا ريثما ننزع كل الرمال من القبر.
لكن رب ضارة نافعة: لقد الجميع التزم صمت بعد ما وقع و اتفقوا على دفن الرجل بهدوء...
و بعد أن أحسنا إلى الرجل حانت فرصة الشباب، كانوا يصطفون خلف أحدهم و الذي لم يمط اللثام عنه إلا مرتين، و قد تعرفت عليه فوجهه حسن و ابتسامته ناصعة... إنه ذلك الشباب الذي رأيته على شاشة الجزيرة يصلي على الشيخ أسامة ابن لادن... نعم إنه هو...
انطلق أحد الشباب متحدثا إلينا جميعا: لا يجوز التوسل بغير الله عز و جل كما لا يجوز تعليق التمائم و تجنبوا الدجل...، كنا جميعا ندرك أن الشباب يفتحون جبهة ضد هؤلاء الأئمة و يسفهون كل ما يصدر منهم من تصرفات... و أنهم وجدوا فرصتهم لتصفية حسابات - نجهلها- معهم، واصلوا حديثهم حتى نال الملل من الجميع تحت حرارة مرتفعة في صحراء ساخنة...
  بعد ذلك رجعت مع نفس الشباب و في نفس السيارة، كانوا يتباهون بكل كلمة قالوها لأولئك الدجالون – أو كما وصفوهم-... كانوا سعداء و قرروا العودة في الليلة الموالية لأسرة العسكري الراحل لمواساتهم و إلقاء كلمة -دعوية- بعد صلاة العشاء.
  لكن التساؤل الذي كان يدور في ذهني في تلك اللحظة هو لماذا لا يمكنني أن أعيش اليوم بسلام و بدون تصنيف لا يساريا أو يمينيا أو ناصريا أو قادريا أو سلفيا أو متطرفا، أو أو ...هل يمكنكم أن تتركوني أعيش و أموت كما أريد أنا لا كما تريدون أيها المختلفون؟  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire