أيوب الموريتاني يطالب بالثورة على الاهانة 2 /3
(قصة واقعية)
بقلم: الدد ولد الشيخ إبراهيم
بعد أن انتهى الشاب أيوب الموريتاني من تناول
العشاء و اخذ أرقام هواتف الشهود، و الذين اقترحوا عليه التوجه إلى قاضي مقاطعة
توجنين بدلا من عرفات: لأن الزحمة عنده أخف و الاجراءات هناك أكثر سلاسة... قرر
اتباع نصيحتهم و التوجه إلى قاضي توجنين.
فأيوب
الموريتاني شاب متحمس عرف بين أضرابه بالطيبة و حب الهدوء، لأنه واحد من جيل قد
تربى و نشأ تحت سيطرة الخنوع لإرادة العجائز، حيث أرضعوه قيما مقدسة من بينها: أن
الحكومة لا تعارض و من عارضها فقد عرض نفسه لمشيئة الحكومة، لأنه ببساطة ينتمي إلى
مجتمع يضحك من الضحية عندما يمعن أفراد الأمن في انتهاك حقوقها أمام أعينهم (بالتعذيب
أو بخلع الملابس) بدلا من أن يستهجنوا تلك الممارسات البربرية المعهودة في عالمنا
العربي...
و عندما وصل أيوب إلى باب القاضي كانت الساعة
تشير إلى العاشرة ليلا، لكنه لم يجد أحدا كما كان يتوقع، فجلس عند باب القاضي طوال
الليل في انتظار ضوء الصباح وهو ممسك بورقة كتب فيها اسمه إلى جانب الرقم 1، كي
تكون مقدمة للائحة الداخلين غدا صباحا على القاضي...
كان البرد قارسا جدا
مما اضطر أيوب إلى تحمل الرعشة و الوحدة و الظلام في سبيل الحصول على شهادة وفاة
والده (رحمه الله)... حيث سُكون الليل لا يقطعه سوى سماع بعض النباح الصادر من بين
أعرشة حي بوحديدة الفقير، لكن مكالمة هاتفية أجبر أيوب على صرع الهزات التي يتعرض
لها جسمه المقشعر من أثر الصقيع و الشعور بالوحدة...
لكن و بعد أن جن الليل،
جاءت مكالمة من أحد الشهود الذين كانوا قد نصحوه بالتوجه نحو قاضي توجنين، ليتراجع
عن تلك النصيحة و يخبره بأن ذلك القاضي قد تم تحويله منذ 6 أيام إلى مقاطعة أخرى
(تفرغ زينة)، و بأن القاضي الجديد لم يستلم مهامه بعد.
نزلت تلك الكلمات القليلة كالصاعقة على الشاب
أيوب و الذي اكتفى بالإنصات لأن لسانه أصبح كالسمكة المتجمدة في حلقه من شدة البرد.
انتهت المكالمة و انتهى معها حلم ايوب الموريتاني في أن يكون أول الداخلين على
القاضي... لحظات من تأمل قبل أن يجهش أيوب ضاحكا كي لا يجهش بالبكاء.
ثم و بخطوات تائهة سار
أيوب وهو يفكر و يتمنى لو أن نسيم صباح فجر نواكشوط يحمل معه التوفيق في المشاركة
في مسابقة يتنافس عليها آلاف الشباب ليتم اكتتاب مائة و نيف منهم. لكن عزيمة أيوب
الموريتاني و التي لا تلين، تجبره على المحاولة مرة أخرى: فقد قرر التوجه هذه
المرة نحو قاضي عرفات رغم مصاعب التنقل ليلا في العاصمة و رغم خطورة الطريق...
لكنه و الحمد لله يوقف بسرعة في الحصول على تاكسي يقله. و بسرعة فائق دخل أيوب في
السيارة كما يدخل الكانغر الصغير في كيس أمه الدافئ. و ما هي إلا لدقائق حتى وجد
نفسه بالقرب من مبنى القاضي... و من بعيد شاهد مجموعتين متفرقتين يزدح كل منهما في
الجلوس بحثا عن الدفء أو بحثا عن سماع بعض القصص الشيقة و التي كان بعض العجائز
يستعينون بها في سمرهم الحالك.
جلس أيوب الموريتاني- بالقرب من شيخ مسن - بعد سجل
اسمه في اللائحة و حصل على الرقم 54 في لائحة الرجال. بدأ الإنصات إلى بعض تلك
القصص و التي كانت في مجملها تدور حول شهادات الزور المنتشرة في مجتمعنا بغية
الحصول على الأوراق الثبوتية، و كانوا ديمقراطيين في حديثهم حيث الجميع ينصت لمن
يبدأ في قصة حتى ينتهي منها ليترك الدور لشخص آخر بعد الانتهاء من التعقيب على تلك
القصة. إلى أن حان دور الشيخ الجالس إلى جانب أيوب و الذي تحدث عن شهادة رفضها
القاضي لشاب مولود سنة 1984 جاء ليشهد على وفاة رجل مات عام 1982 أي قبل مولده
بعامين. لكن و قبل أن ينهي كلامه قاطعه شابٌ آخر قائلا: لا يجوز للقاضي ما فعله،
فالشهادة تجوز بالسماع فقط ليبدأ بعدها نقاشا فقهيا مشككا في مدى صلاحيات القاضي...
و من أطرف تلك القصص ما
ورد على لسان شيخ آخر و الذي روى قصة لرجل فقير كان مشهورا بالصدق، لدرجة أن شهادته
كان الجميع يرفض الوقوف ضدها لأنه مزكى. و في أحد الأيام تنازع في قريته رجلين من
أبناء عمومته: و قرر كل منهما أن يقدم له رشوة كي يشهد له فوافق الرجل ، و لما
مثلوا أمام القاضي قدم الأول حجته و سأل القاضي الرجل هل تشهد له؟
قال: نعم أشهد بذلك
و لما قدم الثاني حجته
و طلب شهادة الرجل: سأله القاضي هل تشهد بذلك؟
قال الرجل: نعم أشهد بذلك.
فقال له القاضي: ويحك
كيف تشهد لفلان و تشهد بخلاف الأمر لفلان؟ فقال له: سيدي القاضي أنا رجل فقير و
صاحب عيال، و في الليلة البارحة زارني في منزلي فلان (المدعي) و قدم لي برميل من
القمح و قارورة من الزيت وقد تعهدت له أن أقول أمامكم كلمة ((نعم أشهد بذلك))، و
في صباح اليوم الموالي زارني في منزلي فلان (المدعى عليه) و أعطاني جملا أركبه و
كبش أذبحه لعيالي مقابل أن أقول نفس الكلمة أمامكم ((نعم أشهد بذلك))، وهذا تماما ما فعلته.
و ما إن انتهى من كلامه حتى افجر
الجميع ضاحكا فقام القاضي بطردهما ليتعانقا خيمة القاضي و يصفحا عن بعضهما.
انتظرونا في الجزء
الثالث و الأخير من القصة...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire