تجبر طغاتنا، تكالبت كلابنا ثم فزنا... هذا صوت العقل يطفوا بين ثنايا الربيع، هذي زهور تونس تقطف في أرض الكنانة من جديد فمرحى لشباب العرب يا نجوما من ذهب. نحن كما كنا... سنكون من جديد في فضاء التحرير أو في درعا و دير الزور أو في الزنتان لا فرق، فجميعها ميادين للتحرير سواء فزنا على عربة خضار أو على عربة مدفع...
كلها شعارات أثلجت صدور الملايين من العرب- و أنا منهم- الطامحين إلى الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان... لكن من السذاجة الاعتقاد أن العسكر سيسلم الحكم للمدنيين بعد أن اعتاد الوقوف خلف فخامة و جلالة و سمو الجلاد العربي؟!
ثم و لكي لا يكون كلامي هلاميا، ألا يشكل صعود الإسلاميين خطرا حقيقيا على أمن و مستقبل هذه الأمة العربية المحكومة بالبارود؟
إن من أشد ما يدهشني هو الرعب الذي انتاب البعض من صعود التيار الإسلامي بعد الثورات و هو تخوف لا معنى له إذا ما علمنا أنهم يشكلون تغييرا في نظر أغلب الناخبين العرب رغم أن حكمهم قد لا يكون جنة كما ادعوا في بعض الانتخابات، لكن على الأقل سيكون خروج على نمط حكم عسكري أهلك الحرث و النسل، و ملأ حساباته البنكية و سجونه من دماء هذه الشعوب المقهورة. و كما يقول المثل الشامي:(يموت الزمار و أصابعه تلعب) يبدوا أن العسكر العربي مصاب بإدمان اللعب بالعرائس التي تحكم هذه الدول و التي عانت على أيديها هذه الشعوب عقودا من الجهل و النهب و التعذيب...، لكن البديل فيما يبدوا هو الصعود الإسلامي، و الذي لا أتفق فيه مع رأي السيد خالد القشطيني عندما كتب في «الشرق الأوسط»، موصيا بعدم القلق والهلع من وصول الاسلاميين للسلطة، لأنهم برأيه سيصبحون نسخة لمن سبقهم من الحكام في نصف القرن الماضي، الذي وعدونا فيه بتحرير فلسطين فضاع نصفها الثاني، ووعدونا بوحدة وحرية واشتراكية، لتحارب الدول العربية بعضها بعضا، ويداس على الحركة وتتبنى الدول العربية الفقيرة (مصر وتونس) الرأسمالية المتوحشة...إلخ، توقعات القشطيني تقول: ان الاسلاميين سيبدأون بالشعارات ثم التقاتل من أجل الاستيلاء على أكبر حصة ممكنة من «الكعكة»، ليبدأوا بعدها توزيع المناصب والمكاسب على ذويهم وابنائهم واخوانهم ونسائهم، ويرمون الفتات لمن ساعدهم، ثم يبدأون عمليات المرحلة التجميلية وذلك عبر زيادة حصة تلاوة القرآن الكريم في البث المباشر، ثم يباشرون الهجوم على البارات وتكسير قناني الخمور ومضايقة غير المحجبات ولابسي التنانير القصيرة، ثم يبدأون بمحاربة مناوئيهم من العلمانيين المدافعين عن الغربيين الصليبيين.. و بعد ذلك تمر الأشهر والأعوام و لا شيء جديد: حيث لن تتحسن الأوضاع الاقتصادية بل تزداد سوءا، و ينغمس الحكام الجدد (الإسلاميون) في جمع الأموال و تكديسها و تهريبها إلى الخارج تقليدا لمن سبقهم، و لن تحرر فلسطين بل ستزداد قوة إسرائيل فقط، كما أنهم لن يغلقوا البارات و يحرموا الخمور ...إلخ
لكن كيف لنا أن نحكم على تسيير الإسلاميين الذين لم نجربهم بعد، و الذين ظلموا في الجزائر بعد فوزهم و الله وحده يعلم نواياهم و نوايا العسكر الواقف خلفهم! ثم - و للإنصاف نقول- إن التصريحات التي سمعناها من البعض تعطي للمشككين كامل الحق فيما ذهبوا إليه فمثلا: البيان الذي قرأناه و الموقع باسم المكتب الإعلامي لحزب التحرير(الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) و الذي أكد أن مصر دولة كبيرة ولها تاريخ عريق، وتلعب دورا مهما في القضايا العربية والإسلامية والدولية و أن الجماعة تحترم الاتفاقيات والمواثيق التي تم توقيعها، خصوصا فيما يتعلق بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية... مطالبا الإدارة الأمريكية أن تستمع إلى الشعوب لا أن تسمع عنها" و هي تعهدات أثلجت -فيما يبدوا- قلب السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي. فكال لها الثناء و هو ما يعني - إذا ما خلت تلك البيانات من لغة الاستهلاك السياسي- استنساخ للنماذج التي لفظتها الشعوب العربية و التي دفعت من أجل تغييرها الكثير من الأنفس و المعاناة و التي دفعت بباقي زعماء العرب المقرفصين على كراسييهم بخوض أفعال كانت إلى الأمس القريب مستحيلة الحدوث، كما حصل مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي سلم ميدالية و جائزة ضخمة قدرها مائتي ألف دولار للطبيب اليهودي الإسرائيلي: رونالد ليفي، مع دعوة لتناول العشاء. و من الغريب أنه في حين لا يزال يرزح المواطن السعودي عبد الرحمن العطوي في السجون الإسرائيلية منذ سنوات والسلطات الإسرائيلية ترفض إطلاق سراحه على الرغم من انتهاء مدة محكوميته و رغم إحساس إسرائيل بمرارة الإخفاق في استعادة الجندي جلعات شاليط بالقوة من أيدي حركة حماس، فقد عادت -مكرهة- للتفاوض بينما لم يسمع كثيرون بذلك الأسير السعودي المنسي في السجون الإسرائيلية.
فمتى ينقشع دخان مسيلات الدموع و أصوات المفرقعات لنرى فرار الطغاة؟!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire