mardi 27 décembre 2011

من مذكرات يوم في نواكشوط



تقرير: الدد ولد الشيخ إبراهيم

   الساعة تشير إلى تمام العاشرة من صبيحة يوم 25/12/2011 حيث قررت النزول إلى شوارع نواكشوط لأكتب عن جزيء من معاناة ساكنة هذه العاصمة، وهو ما يقتضي الركوب في حافلات الفقراء و السير على الأقدام و الجلوس بل و مشاركة المظلومين في اعتصاماتهم و آلامهم و الاستماع إليهم...
صعوبة الطريق:
كانت البداية باستغلال حافلة يصعب على ابن منظور إيجاد مفردات تصف مدى رداءتها و تهالكها و رغم ذلك كانت تتدافع أعداد كبيرة لتكدس داخلها و من منهم لم تسعه الحافلة فضل التعلق بأطرافها معرضا حياته لخطر السقوط أو الاحتكاك أو الاصطدام بإحدى سيارات العاصمة و التي يشهد لها العالم بالثورة على قواعد المرور...

رغم أن الزحمة كانت خانقة إلا أن الحديث كان بلسما لجراح الركاب بمعنى الكلمة، حيث اتفق الجميع ضمنيا على عودة الفساد و النهب بشكل أشد مما كان عليه، و تساءلت سيدة عن مصير الدركي الذي اختطفته القاعدة مستغربة من تكتم السلطات على ذلك الهجوم المباغت، كما تحدث آخرون عن لجان تخطيط الكزرات (ADU) متهمين إياها بالرشوة و بأن بعض لجانها تأخذ رواتبها مقابل عملها اليومي و هذا ما يفسر طول فترة العمل و تقطيعه، كما استنكرت سيدتان منع السلطات لأسرة المصطفي ولد الإمام الشافعي من دخول موريتانيا...و أخيرا الحمد لله نزلنت من تلك الحافلة، التي تركت صاحبها يكابد كومة الحديد الصدئة تلك، كما يكابد الارتفاع المتكرر لأسعار الوقود و منافسة التاكسي له، و تذمر الفقراء...
  كأس على عتبة الرئاسة:
  كانت وجهتي نحو القصر الرئاسي علي أن أجد مظلوما منسيا على مشارف قصر رئيس الفقراء هناك، للأشاركه لحظات من مرارة ظلمه و ما إن اقتربنا حتى لاحت لافتات جديدة تظهر من بعيد كتب عليها: عبارات جديدو قديمة (نساء آدويرارة، ضحايا النفوذ السياسي و تغييب العدالة، مرت على اعتصامنا ستة أشهر)، جلسنا معهم و تناولنا كأسا من الشاي يحمل بطعم الإحساس بالظلم و المرارة من التهميش في بلد يقال بأنه ديمقراطي حتى النخاع، فعلى عتبة القصر الرئاسي مر جل المظلومين في موريتانيا لأسباب منها إحساسهم باختزال الدولة في شخص الرئيس و إجماعهم على أن لا حل و لا عدالة بدون موافقة فخامة الرئيس.

  ودعنا تلك السيدات على أمل العودة إليهم بعد أن اشتدت علينا أشعة الشمس الحارقة و التي لا يستطيع مكابدتها و الوقوف تحتها لمدة ستة أشهر أمام الرئاسة إلا أناس أقل ما يمكننا أن نقدمه لهم هو الدعاء إلى الله أن يفرج كروبهم و كروب المسلمين.
المتسولين بين الجوع و الحيف:
  قررنا تغيير وجهتنا إلى حيث يقام احتجاج من نوع آخر : إنهم شباب منسقية المعارضة الذين تظاهروا أمام وزارة البيئة و التي سمعنا أن وزيرها أصيب بدهشة نتيجة السرعة و الكيفية التي تمت بها بدون سابق إنذار. لكن قبل ذلك لا يمكننا الوصول إلى تلك المظاهرة في ظل زحمة المرور الخانقة دون أن يلفت انتباهنا ظاهرة انتشار المتسولين - من مختلف الأعمار و الألوان- في شوارع نواكشوط و الذين هم (مثل الأمم المتحدة) من جنسيات مختلفة، و من العجيب ما ذكره أحد ركاب سيارة الأجرة التي تقلنا و التي ذكرها عن شاب يستند في سيره على عكازان، مؤكدا أنه من أغنى شباب موريتانيا: فلديه سيارات أجرة كما أن لديه منزل يؤجره بينما يقطن هو في كزرة في دار البركة... هذا الشاب رفض الخوض في الموضوع معللا القول بأنه غير صحيح و بأن من يقوله كذاب و حسود، واضعا - للأسف- بذلك نقطة النهاية لحوار رغبنا في فتحه معه حول الدخل اليومي للمتسول الموريتاني و انعكاسات سياساتنا الاقتصادية علي محصوله اليومي... لكن السيدة جينابا كانت أكثر منه انفتاحا حيث روت الدوافع الكامنة وراء لجوئها إلى التسول بدأ من رحيلها من مدينة بوكى التابعة لولاية لبراكنة حيث تعيد السبب إلى العوز من جهة و إلى الطلاق، و الذي لا تأسف عليه بسبب ما تكبدته من ضرب لها و لبناتها الثلاث على يد زوجها الذي تزوجها وهي طفلة صغيرة و رحل بها إلى قرية أهله بالقرب من قرية أمبلل. لكنه سرعان ما تخلى عنها بعد أن قرر الزواج بضرة خامسة مما اضطره إلى التخلي عنها و عن بناتها الثلاث لتنتقل بهم جينابا إلى العاصمة مرورا بمدينة روصو.

احتجاجات أصابت الوزارة بالقلق فقامت بإغلاق أبوابها:
عندما اقتربنا من مبنى وزارة البيئة و تحديدا كارفور نادي الضباط كانت الزحمة خانقة و كانت سيارات نواكشوط تكتظ، بصورة لا تطاق، حيث الدخان المتصاعد من سيارات الأجرة (مرسيدس 190)، و التي توقف المصانع عن إنتاجها لتلفظها أوروبا إلى موريتانيا (مكب النفايات الأوروبية)، مصحوبة بصفارات قوات الطرق، التي لم تعرف ما المهام الموكلة إليها تحديدا، حيث سبق لها أن أعاقت قافلة إينال لمدة سبع ساعات بدون مبررات قانونية، و قامت باعتقال مراسل رويترز الذي كان ضمن تلك القافلة و عادت به إلى العاصمة نواكشوط. كما قد قرأنا نبأ في أحد المواقع الموريتانية عن مداهمة هذه القوات لأحد المنازل في تفرغ زينة و اعتقال بعض النسوة و تسليمهم للشرطة... مما جعلنا نتسائل عن حقيقة المهمة الموكلة إلى هذه القوات القانومرورية... وصلنا إلى باب الوزارة و الذي يبدوا بأنهم أوصدوه تجنبا لدخول المحتجين و الذين حملوا شعارات مختلفة لكنها تصب في نفس المجرى "لا للتقاسم الأسري لأرض المطار و الحزام"، "نظام ولد عبد العزيز زائل و موريتانيا باقية"، "كفى فسادا كفى تحصيلا للثروة بتقسيم أراضينا"...
كان الهتاف يعم المكان فحماس الشباب و تشجيع النسوة و بعض السياسيين الداعمين لحراك شباب المنسقية قوبل بتلويح المارة و الفضوليين الذين عبروا لهم عن إعجابهم من خلال التلويح بالأصابع و الأيدي إلا أن الوقفة لم تدم طويلا حيث استمرت لساعة تقريبا، ليغادروا المكان بعد ذلك على أمل أن تكون الرسالة قد وصلت إلى من يعنهم الأمر...
عودة إلى القصر الرئاسي:
بعد أن مرت وقفة شباب المعارضة التي نظموها أمام بوابة وزارة البيئة بسلام، مررت بالنسوة اللائي تركتهن أمام باب القصر الرئاسي (نساء آدويرارة) لألقي عليهن نظرة قبل العودة إلى المنزل، و هناك كان احتجاج من نوع آخر: عدد كبير من عمال النظافة التابعين للشركة الفرنسية Pizzarno الذين تزينوا بملابسهم ووقفوا إلى جانب نساء آدويرارة و قاسمهم المشترك كما يبدو هو الحيف و غياب المسؤولية، و المطالبة بالحقوق...

العودة إلى المنزل:
أسئلة كثيرة كانت تدور في خلجاتي و أنا ألملم بقايا الشعور بحب هذا الوطن المسكون بإرادة القهر و قانون التملق، كنت أفكر في المستقبل الذي نعده اليوم لأحفادنا الذين نتمنى أن لا يعلموا أن من بين أجدادهم من كانوا يوما يظلمون، كنت أفكر في بلدي الذي تكالبت عليه كل أسباب الشقاء، كنت أفكر في برنامج أكدته شركة المعلوماتية الأميركية العملاقة "آي بي ام" عن إنجازها لأجهزة قادرة على قراءة الأفكار والتعرف إلى صاحبها بحلول العام 2017. لا يزال المواطنون الموريتانيون يتظاهرون طلبا للحصول على ماء صالح للشرب (سكان قرية العكبة و مكطع لحجار و كرو...)، عدت إلى المنزل و جميع حوالك ضيم تجثم علي فؤادي حسرة و ألما، ليس على المظلومين فقط، بل على الصامتين الرافضين لأضعف الإيمان...
هذا يوم من أيام نواكشوط، فهل هناك إضافة أيها المادحون؟




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire