lundi 26 décembre 2011

الإعلام الموريتاني بين الرسوب و المرسوم


كان الإنسان العربي في العصر الجاهلي يعتمد بشكل كبير في نقل معلوماته على الأخبار المسموعة و المجلوبة حينا من بحور الفراهدي و من القوافل التجارية أحايين أخر، وذلك لانتشار الجهل في المجتمعات العربية آنذاك... و قد أحدث الإسلام طفرة نوعية في نقل المعلومات بعد أن حث القرآن الكريم على القراءة و التدبر... أما في عصرنا اليوم فقد حولت التكنلوجيا مهنة المتاعب و السبق الصحفي و تمجيد الحاكم إلى مهنة تنظيم التدفق الهائل للمعلومات التي ينقلها المدونون و النشطاء على الصفحات الاجتماعية ليشارك الموطن العادي في نقل الصورة الحقيقية و يخلق رأيا مستقلا منافسا.

فأين الإعلام الموريتاني من ذلك التطور؟

و هل صوت الشباب فعلا مسموع من خلال تلك المنابر؟

كان الإعلام العربي في العصر الجاهلي يعتمد على التجارة حيث كانت وسيلة لكسب الرزق و الأخبار في نفس الوقت. فكانت البعثات التجارية تنقل معها أفكار الأمم المجاورة و معتقداتها... لكن و مع بزوغ فجر الإسلام عظم فن الخطابة بصفتها وسيلة من وسائل الإعلام، كما أضاف القرآن الكريم قوة إعلامية هائلة تهدي للتي هي أقوم و تبشر المؤمنين. أما في العصر الحديث فأصبح للإعلام مهمة كبيرة أيضا تتمثل في بناء الأمة و توجيهها نحو التنوير و البناء، كما أصبح مرآة تعكس هوية المجتمع و توجيهاته نحو القضايا المطروحة. كما أصبح له جانبا سلبيا إذا وظف توظيفاً خاطئاً ، حيث تصمم السيناريوهات لكسب معركة أو لصعود رئيس أو إسقاط وزير أو لترويج خدمة ... ومع التقدم الهائل في الاتصالات ، أصبحت وسائل الإعلام تؤدي عملاً كبيراً في قضايا الأمم والناس ، ولم يعد الإعلام ثرثرة أو دعاية جوفاء ، بل أصبحت الدراسات الإعلامية العلمية الموثقة أحد المصادر الأساسية للمعلومات اللازمة لصنع القرارات المهمة التي تمس أي مجتمع ، وقلما يصدر قرار له تأثيره على العامة من الناس دون أن يكون مستنداً على دراسة علمية موثقة يؤدي الإعلام – بشتى وسائله – عملاً مهماً في صنعه واتخاذه، و كم من قرار خاطئ في موريتانيا أو مسرحية لنهب المال العام حظية بالقبول بعد عملية تضليل قادتها الإعلام الموريتاني و خصوصا الإذاعة و التلفزة.

إن من الغرابة اعتقاد البعض أن باستطاعتهم كبت صوة الشباب و مصادرة آرائهم، و تحفيظهم قرارات و مراسيم و زيارات الرئيس و حكومته في حين أن باستطاعة هؤلاء الشباب اليوم الكتابة على صفحات الرئيس الأمريكي شخصيا أو غيره من زعماء العالم عبر الشبكة العنكبوتية و تحديدا الموقعين الاجتماعيين (الفيسبوك و اتويتر) إذا ما أرادوا ذلك، و التعبير عن آرائهم و تقييم الديمقراطية في بلدهم، و من السذاجة انتهاج سياسة الصوت الواحد و التي تتنافى مع الديمقراطية و حقوق الإنسان و الاتفاقيات التي وقعت عليها موريتانيا...

بشرى سارة فالتلفزة الموريتانية انتهجت توجها جديدا، و أصبح للشباب برنامجا خاصا تحت عنوان "شباب اليوم"... هذا ما سمعناه و أثلج صدورنا كثيرا، لكن و بعد متابعتنا له أدركنا أن الصوت الذي سمعناه ليس صوت الشباب بل امتداد لأصوات الشيوخ الذين شابوا على تنويم المنافسين و تضليل هذا الشعب المنهك: فكيف يُطلب من الشباب أن يحبوا و يقدسوا رموز وطن يشعرون بأنهم غرباء فيه –رغم انتمائهم له- ! حيث الغبن و التهميش هما من يحكمان واقع هؤلاء الشباب الحالمين بموريتانيا العدل و العمل... ، كيف يطلب من الشباب دوما العيش في التاريخ و دراسة التاريخ في حين يحرمون من العيش في الواقع و دراسة الواقع!. لا شيء يرعب الأنظمة الفاسدة اليوم أكثر من الشباب الواعي المستعد للموت من أجل شعبه و ثرواته، و الذي يطرح الكثير من التساؤلات عن معنى الخيانة في قاموس الإعلام الموريتاني، هل هو من يطالب بالشفافية في توزيع الثروات و انصاف الفقراء أم من يعقد الصفقات في الظلام و يتكتم على نصيب موريتانيا من تلك الصفقات و يشرد الفقراء!، ثم إن على الإعلام أن يفتح أبوابه لاستقبال الرأي الآخر أو يتحمل سخرية الآخرين الذين سينظرون إلى عوراته التي سيسقط عنها الربيع العربي أوراق الرشوة و الوساطة التي يتستر خلفها. فمن السخافة إرجاع تنامي الشعور بالا وطنية لدى الشباب الموريتاني إلى غياب التربية المدنية فقط، و محاولة إجبار الشباب على الدخول في خندق الأحزاب ليتمكن قادة تلك الأحزاب من الإمساك بخزائمهم، فيأمرونهم بالتنفيذ –كما يفعل قادة العسكر- دون تفكير.

ثم ما المانع من دعوة الرأي الآخر ليقول رأيه على شاشة تلفزة النظام، أو إذاعة النظام؟

و هل من العدل أن يرفض الإعلام الرسمي الموريتاني و شركات الاتصال التعاطي مع مهرجان المعارضة –المدفوعة الثمن- بينما يرسلون للمواطن –رغما عنه- مساجات للدعاية لمهرجانات الأحزاب الموالية للنظام بغية الترويج لحوار الطرشان الذي ينفق عليه من أموال هذا الشعب؟!


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire