كان الإنسان العربي
في العصر الجاهلي يعتمد بشكل كبير في نقل معلوماته على الأخبار المسموعة و المجلوبة
حينا من بحور الفراهدي و من القوافل التجارية أحايين أخر، وذلك لانتشار الجهل في المجتمعات
العربية آنذاك... و قد أحدث الإسلام طفرة نوعية في نقل المعلومات بعد أن حث القرآن
الكريم على القراءة و التدبر... أما في عصرنا اليوم فقد حولت التكنلوجيا مهنة المتاعب
و السبق الصحفي و تمجيد الحاكم إلى مهنة تنظيم التدفق الهائل للمعلومات التي ينقلها
المدونون و النشطاء على الصفحات الاجتماعية ليشارك الموطن العادي في نقل الصورة الحقيقية
و يخلق رأيا مستقلا منافسا.
فأين الإعلام الموريتاني
من ذلك التطور؟
و هل صوت الشباب
فعلا مسموع من خلال تلك المنابر؟
كان الإعلام العربي
في العصر الجاهلي يعتمد على التجارة حيث كانت وسيلة لكسب الرزق و الأخبار في نفس الوقت.
فكانت البعثات التجارية تنقل معها أفكار الأمم المجاورة و معتقداتها... لكن و مع بزوغ
فجر الإسلام عظم فن الخطابة بصفتها وسيلة من وسائل الإعلام، كما أضاف القرآن الكريم
قوة إعلامية هائلة تهدي للتي هي أقوم و تبشر المؤمنين. أما في العصر الحديث فأصبح للإعلام
مهمة كبيرة أيضا تتمثل في بناء الأمة و توجيهها نحو التنوير و البناء، كما أصبح مرآة
تعكس هوية المجتمع و توجيهاته نحو القضايا المطروحة. كما أصبح له جانبا سلبيا إذا وظف
توظيفاً خاطئاً ، حيث تصمم السيناريوهات لكسب معركة أو لصعود رئيس أو إسقاط وزير أو
لترويج خدمة ... ومع التقدم الهائل في الاتصالات ، أصبحت وسائل الإعلام تؤدي عملاً
كبيراً في قضايا الأمم والناس ، ولم يعد الإعلام ثرثرة أو دعاية جوفاء ، بل أصبحت الدراسات
الإعلامية العلمية الموثقة أحد المصادر الأساسية للمعلومات اللازمة لصنع القرارات المهمة
التي تمس أي مجتمع ، وقلما يصدر قرار له تأثيره على العامة من الناس دون أن يكون مستنداً
على دراسة علمية موثقة يؤدي الإعلام – بشتى وسائله – عملاً مهماً في صنعه واتخاذه،
و كم من قرار خاطئ في موريتانيا أو مسرحية لنهب المال العام حظية بالقبول بعد عملية
تضليل قادتها الإعلام الموريتاني و خصوصا الإذاعة و التلفزة.
إن من الغرابة
اعتقاد البعض أن باستطاعتهم كبت صوة الشباب و مصادرة آرائهم، و تحفيظهم قرارات و مراسيم
و زيارات الرئيس و حكومته في حين أن باستطاعة هؤلاء الشباب اليوم الكتابة على صفحات
الرئيس الأمريكي شخصيا أو غيره من زعماء العالم عبر الشبكة العنكبوتية و تحديدا الموقعين
الاجتماعيين (الفيسبوك و اتويتر) إذا ما أرادوا ذلك، و التعبير عن آرائهم و تقييم الديمقراطية
في بلدهم، و من السذاجة انتهاج سياسة الصوت الواحد و التي تتنافى مع الديمقراطية و
حقوق الإنسان و الاتفاقيات التي وقعت عليها موريتانيا...
بشرى سارة فالتلفزة
الموريتانية انتهجت توجها جديدا، و أصبح للشباب برنامجا خاصا تحت عنوان "شباب
اليوم"... هذا ما سمعناه و أثلج صدورنا كثيرا، لكن و بعد متابعتنا له أدركنا أن
الصوت الذي سمعناه ليس صوت الشباب بل امتداد لأصوات الشيوخ الذين شابوا على تنويم المنافسين
و تضليل هذا الشعب المنهك: فكيف يُطلب من الشباب أن يحبوا و يقدسوا رموز وطن يشعرون
بأنهم غرباء فيه –رغم انتمائهم له- ! حيث الغبن و التهميش هما من يحكمان واقع هؤلاء
الشباب الحالمين بموريتانيا العدل و العمل... ، كيف يطلب من الشباب دوما العيش في التاريخ
و دراسة التاريخ في حين يحرمون من العيش في الواقع و دراسة الواقع!. لا شيء يرعب الأنظمة
الفاسدة اليوم أكثر من الشباب الواعي المستعد للموت من أجل شعبه و ثرواته، و الذي يطرح
الكثير من التساؤلات عن معنى الخيانة في قاموس الإعلام الموريتاني، هل هو من يطالب
بالشفافية في توزيع الثروات و انصاف الفقراء أم من يعقد الصفقات في الظلام و يتكتم
على نصيب موريتانيا من تلك الصفقات و يشرد الفقراء!، ثم إن على الإعلام أن يفتح أبوابه
لاستقبال الرأي الآخر أو يتحمل سخرية الآخرين الذين سينظرون إلى عوراته التي سيسقط
عنها الربيع العربي أوراق الرشوة و الوساطة التي يتستر خلفها. فمن السخافة إرجاع تنامي
الشعور بالا وطنية لدى الشباب الموريتاني إلى غياب التربية المدنية فقط، و محاولة إجبار
الشباب على الدخول في خندق الأحزاب ليتمكن قادة تلك الأحزاب من الإمساك بخزائمهم، فيأمرونهم
بالتنفيذ –كما يفعل قادة العسكر- دون تفكير.
ثم ما المانع من
دعوة الرأي الآخر ليقول رأيه على شاشة تلفزة النظام، أو إذاعة النظام؟
و هل من العدل
أن يرفض الإعلام الرسمي الموريتاني و شركات الاتصال التعاطي مع مهرجان المعارضة –المدفوعة
الثمن- بينما يرسلون للمواطن –رغما عنه- مساجات للدعاية لمهرجانات الأحزاب الموالية
للنظام بغية الترويج لحوار الطرشان الذي ينفق عليه من أموال هذا الشعب؟!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire