الصينتل كالوزارة أسوء مما تتخيل (3/1)
السلام عليكم إسمي محفوظ، عاطل عن العمل في الوزارة الرابع المنتدبة لدى
وزير في طابور الوزارات المنتدبة لدى وزير الخارجية الموريتاني، أبدأ يومي بتحية بواب
الوزارة لأنه من الأشخاص القلائل المنضبطين في الحضور عند الثامنة صباحا (بداية الدوام)
رغم أن راتبه هزيل يحصل عليه بعد الكثير من المماطلة و التأخير، أفتح جهاز الكمبيوتر
لأطالع آخر الاحتجاجات و المظالم في الداخل و أمام القصر الرئاسي بعد أن مللت من ثورة
البيانات التي تقوم بها معارضتنا الراكنة، و أحيانا أبحث عن موضوع شيق أستطيع من خلاله
لفت انتباه مديري في العمل علي أحظى برضاه فيقوم باكتتابي في الوزارة على غرار ما فعله
مع أبناء عمومته... بعد ساعتين من تصفح الإنترنت جاء دور جلسة الشاي، لكن المحاسب كان
غائبا و هي الفرصة النادرة الوحيدة المتفق عليها في الوزارة لتوجيه النقد و التذمر
من جوع و سرقة ذلك المحاسب الذي نبتسم في وجهه جميعا طمعا في عطية سخية من الرشاوى
التي يتلقاها أو سعيا إلى تمرير خدمة لأحدنا... نحن اليوم أعصابنا متوترة لأن فترة
لكراطة قد اقتربت موعدها مع اقتراب نهاية العام و لكراطة لمن لا يعرفها عبارة عن الميزانية
المتبقية في ختام السنة و التي يتم الاحتيال عليها من قبل الأمين العام و الوزير و
المحاسب و قد ينهل المقربون منهم من فتاتها عن طريق نفخ الفواتير و تزويرها باسم شركات
وهمية كالتي تحظى بمنح سخية من قبل مجلس وزرائنا فتحصل تلك الشركة الورقية على رخص
للتنقيب عن المعادن أو للصيد و للأشغال العامة على أسس غامضة غموض سياستنا الخارجية...
بعد أن تناولنا الشاي انفرد المدير بهاتفه جانبا و كان يطلب من أحد الممونين تجهيز
فاتورة بمبلغ سبعة عشر مليون أوقية و قد تفاجئت من ذلك الرقم المخيف، و عند انتهاء
مكالمة المدير، حاولت أن أخفف عنه بعد أن تصبب عرقا وهو يسأل عن تاريخ اليوم و هو تسائل
أدركت من خلاله مدى مأزق المدير الذي يحاول الحصول على فاتورة أو فاتورات يقدمها لململك
ملوك موريتانيا و القائد العام لقوات الفساد في موريتانيا كتبرير لما نهبه، عرضت عليه
الفاتورة اليتيمة التي أمتلكها و هي لهاتفي الشخصي الذي كنت قد اشتريته من شركة الصينتل.
بكم اشتريت هاتفك؟ سألني المدير و قد ابتسم عندما أخبرته بأنني اشتريته بمبلغ ثمانية
آلاف أوقية، و هي ابتسامة وجدت لها تبريرا عندما تذكرت أن الرجل يطلب فاتورة بمبلغ
خيالي أصاب زوجتي بالرعب عندما ذكرته لها.
قدمت الفاتورة –رغم هزالتها- لمديري لكنه فاجئني بأنها ليست فاتورة بل
أوراق ملونة كتب عليها اشتراك!
كيف سيدي المدير قلت مستغربا!.
لكنه فعلا كان محقا فشركة الصينتل تعطي لبنائها أوراق اشتراك ملونة ليست
بفواتير و لا حتى أوصال قانونية...
طلبت الإذن للذهاب إلى الشركة و بعد موافقة المدير اتصلت بصديق لي يتعامل
مع الشركة بالإضافة إلى أنه لدى صديقي نفس المشكلة (أوراق ملونة من شركة الصينتل)...
وصلنا إلى إدارة الشركة و تحديدا إلى مكتب الاستقبال (سكينة السودانية)، تمكنت بصعوبة
من فهم كلامها بعد أن تخيلتها تتحدث باللهجة الأمهرية، اذهب إلى فرع BCI و اعتقدت
لوهلة أنا لم تفهم ما أريده و حاولت إفهامها لكن بدون جدوى، و فهمت من زميلتها أنها
تطلب مني التوجه إلى الفرع الذي اشتريت منه هاتفي و الذي يسمونه اختصارا BCI - هو اسم اعتقدت لجهلي أنه حصري على بنك التجارة
و الصناعة- و بعد الوقوف لدقائق تحت أشعة شمس حارقة بانتظار سيارة أجرة، قررنا السير
على الأقدام - من الشركة الأم إلى كارفور سيتى اسمار – هناك نظروا إلينا باستغراب لأنني كنت أطلب شيئا يبدوا
أنني أول من طلبه لعمال ذلك الفرع، نظروا إلي باستغراب كما لو كنت أطلب منهم نصف رواتبهم...
تريد فاتورة؟!!! تساءلت إحدى الفتيات.
قلت لها نعم أريد فاتورة بدل هذه الأوراق الملونة...
قالت: لا تحاول إقناعي بأن ما تحمله ليس فاتورة
قلت لها: أريني كلمة فاتورة على هذه الأوراق و سأنصرف عنك!
صمتت لبرهة ثم قالت و هي ترد إلي تلك الأوراق: انظر اذهب إلى واحدة تسمى
سكينة هي المسؤولة عن الفواتير...
سكينة السودانية؟ قلت أنا متسائلا.
قالت: نعم سكينة السودانية.
قلت: لكنني قادم من هناك قبل قليل و هي من أرشدتني إليكم!
قالت: لا دخل لي بالموضوع لقد أرشدتك إلى المسؤول عن تلك الإجراءات فإن
شئت اذهب إليها و إن شئت قضى اليوم كله واقفا أمامي هنا. ثم حولت أنظارها عني في إشارة
إلى طلب حضور الشخص الموالي و هو اسلوب معهود عندنا في الوزارة.
تركتها و أنا أستشيط غضبا بعد أن ذكرتني معاملتها لي بمعاملة أطبائنا
للمرضى و قررت العودة على إلى شركة "الصينتل" الأم مشيا على الأقدام لأني
بحاجة إلى بعض الوقت لتهدئة نفسي أولا و للتفكير في ما ينبغي علي قوله و فعله من اجراءات...،
فأنا في النهاية لا أطلب شيئا غير قانوني بل حقي في الحصول على فاتورة مقابل مبلغ من
المال اشتريت به هاتفي الشخصي.
و بينما أنا في طريقي إلى الشركة مرت على خاطرتي أوصاف كثيرة كنت قد قرأتها
بعد أن سحرني شعر "روضة الحاج"، كما سحرتني تلك الأوصاف التي رسمتها المناضلة
السودانية "فاطمة أحمد إبراهيم" عن المرأة السودانية و أخلاقها الرفيعة بدأت
أذكرها لصديقي "د ش" و الذي لم يطق ما لقيناه من اهانة على يد "سكينة
السودانية"، لذلك كان لزاما علي تهدئته لذلك بدأت أذكر له تاريخ المرأة السودانية
و التي هي سليلة مملكة سنار و ربما سكينة كانت من مشيخات أو هي من نسل إحدى الولايات
على امتداد مماليك الفور أو تقلي أو المسبعات... و التي كان يحكمها سلاطين سودانيين،
حيث ساد في مجتمعهم آنذاك –مثلنا تماما- نظاما إقطاعي قبلي أو ما يسميه الاقتصاديون
اليوم الاقتصاد المعيشي أو اقتصاد الكفاف...
صاح صديقي كلام جميل لكن ما علاقته بما جئنا من أجله؟!
قلت له دعني أكمل كلامي فقبل أن نغض سكِينة سُكينة عليك أن تفهم المرأة
السودانية، تلك المرأة التي عاشت نوعين من الحياة: حياة الرق، إذ كانت أمة تساهم مع
باقي الرقيق في الزراعة، حيث تفلح الأرض و تزرعها و تسقيها و تجمع المحصول و تبيعه...إلخ،
و ترعى الماشية و تحلبها و تستخرج من ألبانها السمن و تصنع من جلودها أغمدة السيوف
و الأسرجة و السكاكين و طبول الفرح و الموت و الحرب. هذا إلى جانب عملها في المنزل
إذ تقوم بكل الأعمال، فترعى الأطفال و تقوم على راحة اسيادهم و سيداتها.
أما المرأة السيدة، فكانت عاطلة عن العمل من الناحية الاقتصادية و هي
التي اتخذها الرجل (لجمالها) كأداة تنشيط و باعثة متعة له إذ كان يحتاج إلى الراحة
البدنية و النفسية حتى يقوم بمهامه في مجتمع كان يعتمد أساسا على القوة العضلية... و بينما أنا منهمك في محاولة اعطاء تبرير لتصرف
عمال شركة الصينتل معنا، إذ صرخ صديقي قائلا: لا ترهق نفسك ليس لتلك المعاملة السيئة
علاقة لا من قريب و لا من بعيد بالسودان.
قلت له ما دليلك على ذلك؟
قال: لقد تذكرت رسالة كنت قد قرأتها لرئيس قسم الاتصال بالشركة المهندس
الشيخ ولد احمد بتاريخ الثلثاء 12 تموز (أيلول) من هذا العام و التي أدهشتني حينها
لما تحويه من استغلال و تلاعب بالعاملين الجديين و التمييز بين عمالها في الفروع و
زملائهم في المقر الأم، و أدركت من خلال ما قاله المهندس عن الرشاوي التي تقدمها الشركة
للمحاكم بأنني خاسر حتى قبل أن أرفع دعوى ضد الشركة المحصنة بفضل أباطرة الفساد المساهمين
في الشركة، إذ كيف يستقيم الظل و العود أعوج؟!
الحمد لله وصلنا أخير إلى الشركة الأم (الصينتل)، لكن شيئا لم يتغير فالرفض
المطلق لا يزال هو رد سكينة على طلبنا المشروع (فاتورة)، بعدها اتجهت إلى زميل سكينة
و الذي أكد لي بأن السيد سكينة هي وحدها من يمكنها أن تحل مشكلة و نصحني بالتوسل لها
لتقوم بالأمر.
أنا لا أتوسل و لا أطلب إلى رب العالمين لذلك شكرت الشاب على نصيحته و
قررت مقابلة المدير العام لتلك الشركة، و لذلك كان علي أن أملأ الفراغات في ورقة حملوها
بعد ذلك إلى المجهول (المدير خلف الكواليس أو كما أخبروني).
إذن بعد أن أكملت تلك الإجراءات، متى باعتقادك سأنتظر هنا للقاء المدير؟
سألت المسؤول عن استقبال القادمين.
رد علي الشخص و الذي يبدوا بأنه لم يفهم كلمة مما قلته له لأنه لا يفهم
إلا القليل من الحسانية (لهجة أحد الأعراق ذات الأصول العربية في موريتانيا)، لذلك
كررت عليه سؤالي باللغة الفرنسية فأجابني بأن الورقة عند سكرتيرة المدير (زينب)، و
قد يستقبلني المدير اليوم أو الغد أو ربما بعد أسبوع...
صحت مندهشا، بعد أسبوع؟!
قال: نعم فالأمر يتعلق برغبته هو في لقائك........(تتواصل)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire