أنا أسرق إذا أنا موجود
إذا أردت أن تصبح غنيا في و إطارا مشهورا
موريتانيا فالأمر في غاية السهولة، فما دام الله لم يرزقك إلا بيدين فضع
إحداهما في جيب مخابراتنا الوطنية (صاحبة أسوء إخراج في تاريخ المسرح
العربي)، لأنها تحوي على ميزانية ضخمة و لها صلاحيات توزيعها بكل سخاء على
الإعلاميين و المومسات و المخبرين...، أو قم بدس يدك الأخرى في السموم و
المخدرات و الكحول...
قد يستغرب البعض عندما يلاحظ أننا في وطن تسري فيه العقوبة على الضعيف
فقط: كالتلميذ أو الطالب عندما يختلس معلومة من رفيقه أو من هاتفه الشخصي، و
كالحقوقي السلمي عندما يبلغ عن فضيحة أخلاقية لا إنسانية، أو كالذي يسرق
ليقتات على عكس ما أورده الحديث الشريف حديث عائشة : تقطع اليد في ربع
دينار فصاعدا . ويروى : لا تقطع اليد إلا في ربع دينار . متفق
عليه باللفظين معا ، وفي لفظ : لم يقطع السارق على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن . وفي لفظ لمسلم : لا تقطع
اليد إلا في ربع دينار فما فوقه .أو الشباب عندما يتظاهرون للمطالبة
بالتوظيف و بالعدل، أو فقراء الكزرات عندما يرحلون بكل قسوة...
أما إذا كنت لصا محترما و أردت أن تصبح مسؤولا و تحصن نفسك من
العقوبة فعليك بما يلي:
حاول ربط علاقة قوية بالرابطة المدنية لجنرالات الإنفاق على
النفاق، و قم بإعداد الولائم لكبار العساكر و من الأفضل أن تتخللها أمسيات
غنائية و مسابقات للرماية أو الصيد البري، و كن ديوثا في معاملاتك مع
المعجبين بحلالك.
أغدق العطاء على البشمركة - أو كما أسماهم هرقل- كي يواروا
سوءاتك، و احرص على تأدية صلاتي المغرب و الجمعة في المسجد و أكثر فيهما من
السلام على المصلين و من التبسم في وجوههم كي ينقلوا عنك صورة العابد
الخاشع الحريص على تأدية الصلاة في الجماعة.
حاول لقاء الرئيس و بين يديه قم بتثمين إنجازات حكومته الوهمية،
و كن أمامه مهرجا لأنه يحب ذلك أو كما نقلت عنه تلفزته الوطنية المؤيدة
للحاكم بدون حدود. حاول أن تخفف عنه و سفه له كل زعماء المعارضة و حاول
إقناعه بأنك مثله مستهدف من قبل المعارضة التي تؤجر الإعلام و الشباب
ليهجموا عليكم شخصيا و يشوهوا صورتكم أمام فخامته...
احرص على أن تكتب مقالا شهريا في مدحه و مدح الحاشية و لا تنسى
أن تشكر فيه مدير التشريفات و بعض المستشارين كي يذكروك عنده بدورهم.
أبدا لا تراجع ضميرك إذا ما قال لك يوما بأن السرقة حرام، و بأن
زوجتك تعلم بأنك تنهب المال العام، لا تندم على الإطلاق إذا علمت بأن
أبنائك يعلمون بأن راتبك ليس باستطاعته شراء سياراتك الشخصية و لا قطيع
إبلك و لا حتى القطع الأرضية التي بحوزتك، و لا تأبه إذا ما قيل بأن
عماراتك كثر و بأن مغامرات نزواتك كثر و بأن أتباعك كثر...
حاول أن تنال رضا عسكر الصفقات الوهمية و اعلم بأن النخلة
المائلة تضع ثمارها بعيدا عن حفرتها فتعلم منها.
كن غليظا عندما تتعامل مع البسطاء لأنهم يعشقون من يحتقرهم و
يدوس على أعرشتهم، كما يجب عليك إن أدت التميز أن تتقشف في ملبسك و أظهر
قوتك الاقتصادية من خلال نوع هاتفك الثمي و سيارتك الفخمة... كما ينبغي
عليك تقوية الصلة بقبيلتك لأن وزنك و حمايتك مربوطان بمدى تأثير تلك
القبيلة، لكن عليك إقناع أفرادها بأنهم قادمون على حرب جديدة مع قبيلة أخرى
أو مع عرق آخر و عليهم بطاعتك و طاعة حزب أمير المؤمنين و أنه يجب عليهم
إتباع رسله و من والاه و التابعين له إلى يوم الدين. كما أنصحك سيدي اللص
بأن لا تتحدث عن نفسك بصيغة الفرد بل الجمع (نحن) حتى و أنت تحدث نفسك في
الظلام.
و في الختام سيدي المسؤول عليك أن لا تقرأ قصيدة محمود درويش (فكر
بغيرك) لأنها قد توقظ فيك ضميرا سيغير حياتك إلى الأبد، و سيهدد الضرع
الذي منه تنهل و إياك ثم إياك من مشاركة هذا الجيل الشبابي القادم بقوة،
فهو يمثل طاقة مستقلة لن تألو جهدا في فضحك و في إسقاط قناعك الخشن، لأنهم
ببساطة طاقة مهمشة و محبطة من التشجيع المتواصل و المفضوح الذي يقوم به
نواب الكتيبة العسكرية المتثائبة لصالح عسكر الصفقات و خلق الشركات
الوهمية، و ترفض هذا السباق المحتدم نحو نهب ثروات البلد و إعدام الأخلاق و
القيم الحميدة و إشاعة مبدأ : أنا أسرق إذن أنا موجود... في ظل غياب شخصية
مثالية تحتذى و نموذج نزيه يلقى التكريم على شاشات تلفزتنا "الوطنية".
فإلى متى سيمضى هرقل في التغاضي و المؤازرة؟!
و إلى متى سيستمر البعض - في موريتانيا- في ترديد أسطورة الإصلاح و
محاربة الفساد؟!
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire