إن من أشد الأشياء التي تميز السياسي عن العسكري هو انتقاء السياسي لعباراته و التي يفكر فيها بتمعن قبل النطق بها على عكس العسكر الذين يطلق الواحد منهم بالعبارة لا يلوي لها بالا، فتهوي بصورته القيادية التي يُجد للمحافظة عليها، فاتحة المجال لصداها الذي يتردد حتى بعد رحيل صاحبها كعبارة "يفتي يفتي" الشهيرة للرئيس المخلوع معاوية ولد سيدي أحمد الطائع و عبارة التهجم على اللحية الحصرية على صاحب خطة أمل و مثلث أمل و دكاكين أمل...
لكن ماهي العوامل المشتركة بين القاعدة الحزبية و القاعدة العسكرية؟
إن من المآخذ التي جعلتنا نبتعد عن ولوج الأحزاب السياسية هو تناقضها الذاتي: فالأحزاب المناهضة –في خطابها- للبيروقراطية و الرأسمالية نجدها تتماشى حد التماثل مع ما تراه عدوها الأول، لأن تأثير الرأسمالية على البنية الحزبية لا تخطئه العين، فالحزب السياسي أصبح كالشركة لها مدير عام و مجلس إدارة و مدراء الفروع الإقليمية... و الحزب له أيضا رئيس و أمين عام و رؤساء اللجان الإقليمية على الصعيد الجهوي... هذا التسلسل أو التماثل الهرمي بين الرأسمالية و المشاريع السياسية ليس السمة الوحيدة للأحزاب. فالأحزاب السياسية عموما - رغم مشاركتنا مع بعضها في المطالبة برحيل العسكر عن الحكم- مطبوعة بطابع عسكري يسود تنظيماتها السياسية سواءا على مستوى الانضباط الحزبي، و طبيعة العمل الحزبي أو تقسيم المهام الحزبية: فعلى مستوى الانضباط الحزبي يستند الحزب إلى كل الوسائل التي قامت عليها المؤسسة العسكرية من تدابير تعليمية كاحترام الأوامر، الطاعة العمياء... و التدابير التأديبية كالطرد و الإقصاء... إلخ. إن من المعروف تاريخيا أن الحزب الواحد قد لعب دورا مهما في تجديد النسق السياسي العربي الإسلامي في أغلب الدول العربية باستثناء دول كالمغرب و لبنان و الأردن و العربية السعودية. إلا أن دولا أخرى كالجزائر و تونس و مصر و العراق و السودان و اليمن و موريتانيا قد تبنوا المنظور اللينيني حول الحزب الواحد دون أن يتبنوا الأيديولوجية الماركسية... و قد تغير العالم العربي اليومليخلف ربيع الشعوب الحرة المنهكة من فشل تجربة الحزب الواحد و التي فشلت نتيجة فقدان الشرعية و ضعف مفهوم التأسيس و فشل الطلائع الحزبية...إلخ
في موريتانيا لا فرق بين السياسي و الأخطبوط فلكل منهم ثلاث قلوب و الكثير من الأذرع و خصائص الاختفاء عند الخطر بل القدرة على التمويه و الاختباء. كما أن للسياسيين الموريتانيين طابعا مشترك يكمن في حبهم لاستدراج كل شاب يحمل خصائص الضفدع الذي يموت لو فتح فمه لأكثر من دقيقة واحدة. لقد علمتنا الحياة أن صوت البطة لا صدى له و لا احد يعلم لماذا؟! تماما كتطبيل أحد كبار إعلاميينا و الذي استغل مقابلة له مع إحدى إذاعة التنويم الحرة، كي يشن حربا على المعارضة و يشيد بجهوده إبان الحملات الموسمية الانتخابية لصالح الجنرال الانقلابي محمد ولد عبد العزيز، و من الحياة أيضا تعلمنا أن في عامنا يوجد 40 ألف جنس من الذباب، منتشرة في جميع أنحاء العالم. منها الذباب المنزلي العادي المألوف، ومنها أيضاً الذباب الأسود المنتشر في الغابات الشمالية الذي يحتشد في الربيع بأعداد لا حصر لها- تماما كالسياسيين في ربيعنا العربي- وتصل درجة عضته إلى أن تؤدي إلى قتل الإنسان وهي نفس ميزة العسكري عندما يلعب دور السياسي. وللعلم فقط، فإن جناح الذبابة يتحرك في الثانية الواحدة أكثر من 330 مرة، بينما الأجنحة السياسية و العسكرية الموريتانية تتحرك ببطء شديد بمعدل 13 مبادرة في الشهر لتثبيت الرئيس أو لترحيله.
في الحقيقة إن ما يتمناه كل وطني حر هو أن يحظى ببلد ديمقراطي يحكمه القانون و المساواة و يحميه جيشه جمهوري لا بورصة تدار بيد قادة جيش يحولون البلد إلى تركة و محاصصة سياسية عسكرية يدفع بأبنائه إلى مهاوي الفاقة و الجهل و المرض و الإرهاب أو الإنتحار...
فهل على النخب المؤمنة بمبادئ الوفاء بالعهود و نبذ الطعن في الظهور أن تراجع صمتها و تحمي بلدها من الاستنزاف العسكري و حوار المحاصصة الذي يشمرون لتشييده؟!
الدد ولد الشيخ إبراهيم
dedda04@yahoo.es
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire