بين ديمقراطية القمع و مصورتي المهشمة
فصل جديد من النضال السلمي المتحضر كتب في 15 من شهر ابريل 2012، بين نشطاء حركة 25 فبراير والآلة القمعية الموريتانية. وهي واحدة من سلسلة حلقات القمع ضمن مسلسل الحل الوحيد المتوفر لدى هذا النظام الضعيف، والتي - كما يبدو - تدخل ضمن خطة أمل 2012، طبقا للتوجيهات النيرة لصاحب الفخامة "قائد ثورة الحزب الحاكم".
ففي ذات اليوم و بينما كان الإعلام الموريتاني الرسمي منشغلا في مدينة آلاك يشيد بوهم الإنجازات و وعود السراب و ديمقراطية العسكر في سوق نخاسة الضمير، حيث تم جلب عشرات الفقراء تحت ضغط القبيلة و الجوع و الجفاف، و إغراءات الأعلاف... كانت كاميرتي الصغيرة تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن صدت إحدى ضربات العصي التي كان يوجهها أفراد الشرطة (المنهكين نفسيا) بنهَم لصاحبها و رفاقه الذين أخلصت تلك الكاميرا لهم على مدى عامين تمكنت من خلالها من توثيق الكثير من الانتهاكات التي كشفت الوجه البشع لديمقراطية نظامنا الموغل في التآكل، كما حطمت الرقم القياسي في المصادرة و زيارة أقسام الشرطة. في ذلك يوم - الغريب و مضحك في نفس الوقت- بدأ النظام كعادته بالعدل في توزيع الضرب و السحل – بين النساء و الرجال – حيث كانت مسيلات الدموع و القنابل الصوتية توزع على جميع المتظاهرين سلميا بالتساوي، و من الغريب أن سيادة الرئيس و أثناء اعتقالنا وصلنا قوله بأنه ليس في سجونه أي سجين سياسي! لكن القمع هذه المرة كان مختلفا حيث اشتد العنف بين جحافل الشرطة و شباب الحركة الذين يكتبون تاريخ بلدهم بأجسادهم (العزل) و أفكارهم العميقة المتمشية مع التوجيهات النيرة لنهج حرب اللاعنف التي أسقطت أعتا الدكتاتوريات، فكان لابد من نقطة نهاية لتلك المواجهات التي أدت إلى إغماءات و ضرب و اعتقالات...
نحن و بهذه المناسبة سنحتفظ بك أيتها الكاميرا المخلصة و أرجوا من جميع المدونين و الإعلاميين و المناضلين المتضررين فعل ذلك، كجزء من جمع الأدلة التاريخية على حقبة كنا نضرب فيها لمجرد أننا وقفنا على قارعة الطريق نحمل لافتات نعبر من خلالها على آرائنا السلمية في بلدنا "الديمقراطي"، كما أتمنى من غيري ممن تم تمزيق ثيابهم أن يحتفظوا ببقاياها لأننا – نحن أو أبنائنا – سنقيم معرضا للتاريخ - قريبا- بعد رحيل هذا النظام، كشاهد على حقبة مؤلمة من تاريخ موريتانيا العزيزة.
أثناء الاعتقال تذكرت فقرة جميلة من كتاب كنت قد قرأته تحت عنوان:"وقاية الإنسان من الإنس و الشيطان" للمؤلف الكبير وحيد عبد السلام بالي، تتحدث عن جريمة من غير الحكمة من خلقه تقول: <إذا عمد شخص إلى مصنوع ما و قرر أن يستخدمه لغرض غير الذي صُنعَ من أجله، فسنقول له: إنك بهذا تفسده. فإذا أراد أن يجعل القلم سواكا خالف الحكمة من صنع القلم، و إذا أراد أن يجعل السيارة مكانا ثابتا للجلوس خالف الحكمة من صنع السيارة. و إذا أراد أن يجعل الكتاب وسادة خالف الحكمة من تأليف الكتاب. و السبب أن الصناعة تأتي محققة للحكمة من صنعها، فإذا أراد تغيير الحكمة فيجب عليه أن يغير الصناعة لتأتي متوافقة مع الغرض الجديد الذي يريده. و لا يجرؤ الناس على مخالفة الحكمة من صناعة المصنوعات خوف إفسادها...> و من الغريب أننا في موريتانيا نحاول تغيير السائق إلى ميكانيكي و الميكانيكي إلى عسكري و العسكري إلى رئيس و الرئيس إلى قائدا للثورة العربية، ألا ترون معي أننا بهذا نفسده؟!
قيل بأننا نقلد مصر و تونس... - و هذا تاج نفتخر به- لكن غيرنا يقلد المستبدين و يصلي خلفهم و يلعق دماء الأبرياء منهمرة من أنيابهم. فهل في النهاية نجح من قلدناهم أم من يقلدهم غيرنا من الدكتاتوريين؟ نحن نتمنى أن يحكمنا قائد للثورة، و ليس قائدا للثروة. ثم كيف لنا قبول الاستمرار في ظل نظام يدعي بأنه ديمقراطي حتى النخاع و يعتدي على الطلاب في حرم جامعتهم و يسحل الطالبات في المعهد تحت غطاء و صمت و تشجيع بعض أصحاب المنابر سامحهم الله؟!
و الآن و بعد أن خرجنا من السجن -إلى حين- نقول للحاكم الذي سيخلف هذا النظام الهرء، بأننا سنواصل بإذن الله نضالنا حتى يصلح البلد أو نموت نحن فلا نريد لأبنائنا أن يعيشوا عيشة ضنكة مثلنا حيث لا عدل لا علم لا كرامة لإنسانية الإنسان...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire